إيهاب الملاح وساسي جبيل
كان الناقد الراحل شكري عياد يقول إن: «القارئ الجيد يمكن أن يُصبح كاتباً جيداً. والقارئ الرديء لا يكون إلا كاتباً رديئاً وإذا انحطت قيمةُ الإنتاج الأدبي انحطت قيمةُ القراءة. وإذا تعلَّم قراءُ الأدب كيف يقرؤون فلابد لكتَّابه أن يتعلموا كيف يكتبون، أو يَكفُّوا عن الكتابة»، فوراء كل عمل أدبي جيد جهد هائل في الصياغة اللغوية، جهد يعتمد على الثقافة والفكر والتصورات النظرية عن الكتابة وجدواها والغرض منها، كما يعتمد على الشعور ويخلق تكويناته الجديدة من خلال التكوينات القديمة تأثراً بها أو تطويراً لها، وزيادة عليها.
ومن هنا تنبع الأهمية الكبيرة لتصورات الكُتاب المبدعين عن ماهية الكتابة.. ومَن يكون الكاتب؟ ومتى يصبح كاتباً؟ «الاتحاد» توجهت بهذا السؤال المُركب إلى عددٍ من أبرز الكتاب والأصوات الروائية والقصصية في المشهد الأدبي العربي المعاصر، فجاءت إجاباتهم على النحو التالي:
إبراهيم عبد المجيد: التجديد الإبداعي في الشكل واللغة
الكاتب هو من يجدد لغته وأسلوبه وجماليات تشكيله الأدبي طوال الوقت، وأنا واحد من الذين وضعوا مبكراً جداً أمام أعينهم مسألة التجديد في الشكل واللغة، ومنذ وقت مبكر وأنا أستهدف ذلك. أدركت أنه لا يتعين استخدام طريقة واحدة في البناء، لأن الرواية نفسها هي التي تختار شكلها ولغتها في البداية والنهاية.وفي كل ما كتبت كنت أعرف أنني أكتب لقارئ عادي، قد يبذل بعض الجهد، ولكن من الضروري أن يستمتع بما يقرأ، فالرواية تُكتب لتُقرأ لا لتصنع جداراً بينها وبين القارئ، فإذا قرئت ووجدت قارئها وأحبها أستطيع حينها أن أقول بثقة إنني صرت كاتباً.
متى أكون كاتباً؟ عندما أردت أن أكتب ما كان في طريقه لأن يصبح كتاباً لا ترغب في وضعه جوار فراشك ليلاً، كتاباً بمثابة باب يأخذك إلى مكانٍ مظلم، مكانٍ لا يمكن لسواك الذهاب إليه بعد أن تفتح الغلاف. الكتب وحدها تملك هذه القدرة.. الكتابة الحقة تفعل ذلك.
منصورة عز الدين: محاولة لفهم ومساءلة الوجود
أية كتابة لا تسعى لكشف الحال الوجودي للإنسان في هذا العالم، ولا تحاول «فك» متاهة النفس الإنسانية هي عبارة عن كلمات ملساء مرصوصة بجوار بعضها بعضاً لدغدغة المشاعر. الكتابة الجيدة -كما أراها- هي تلك التي تطرح أسئلة شائكة وتتماس مع المسكوت عنه بمعناه الواسع، هي التي تهدف لإقلاق القارئ واستفزازه، وهز يقينه الثابت، والرواية تحديداً هي نوع أدبي ضد اليقيني والمستقر، فمن بين السطور تتوالد مئات الاحتمالات والمعاني، التي ربما حتى لم يقصدها الكاتب بشكل مباشر، لأن للكلمات سلطتها الخاصة البعيدة عن سلطة مبدعها، اللغة خؤون بطبيعتها، والعمل الجيد هو ذلك الذي يخلق لنفسه وجوداً قائماً بذاته، بحيث ينفتح على تأويلات جديدة مع كل قارئ.
حين بدأت الكتابة في منتصف التسعينيات كانت كتابة الذات هي الأعلى صوتاً والأكثر وجوداً بين الكُتاب الجدد في مصر، ووقتها لم أجد نفسي في هذا النوع من الكتابة، إذ مثل الخيال الجامح شرطاً أساسياً للكتابة الجيدة من وجهة نظري. التقيت مع من اصطُلح على تسميتهم بكُتاب التسعينيات في نظرتهم التي تعلي من شأن الشك ونسبية المعرفة، ورغبتهم في تجاوز الواقع بمفهومه القديم، واختلفت معهم في إيمانهم بأن كتابة الذات هي الطريقة المُثلى للكتابة في زمن سقوط الحكايات الكبرى.
لم أرغب في محاكاة الواقع، ولم أسع لتغييره على طريقة الرومانسيين الثوريين، رغبت فقط في نقل حيرتي المعرفية أمامه، حيرتي المعرفية في مواجهة الوجود الإشكالي للإنسان، الكتابة عندي هي محاولة لفهم ومساءلة هذا الوجود الهش والملتبس والمحكوم بالفناء.
وبما أن الوجود بالنسبة لي يعد مأزقاً، وبما أن نقطة انطلاقي هي الحيرة المعرفية أمامه، فالأسئلة هي البطل الأساسي فيما أكتب، والكتابة في جزء منها هي رحلة بحث ومغامرة مقلقة في المجهول. وفي غياهب النفس الإنسانية بجوانبها المظلمة والشريرة، فتأمل الوجود يصبح فعلاً بلا طائل إذا لم يكن من خلال ما هو صعب وحرج، ومن خلال مزج المعرفة بالألم!
الطاهر شرقاوي: دهشة وشغف باكتشاف المجهول
ما الكتابة؟ وما الذي تعنيه لي؟ ومتى صرت كاتباً؟! يبدو هذا السؤال من الأسئلة المعقدة والمتداخلة والمركبة والصعبة والمربكة والعصية على الجواب!
لن أقول إنّ الكتابة تمثل لي الحياة، أو إنها مشروعي الفكري الذي سينقذ العالم من ظلامه، ويهدي الضائعين ويمحو الغصة من قلوبهم! تبدو لي كل تلك الإجابات زائفة وغير حقيقية، فيها مسحة من الترفع والتعالي. وفي الوقت عينه، لا أمتلك الجواب اليقين عن هذا السؤال.
هل الكتابة هي بحثي الدائم عن إجابة لكل أسئلتي القلقة التي لا تنتهي للوصول إلى إجابات لا تريحني؟ لو كان هذا صحيحاً، فهل حققت لي الكتابة ذلك؟ تحديداً لا أعرف. أعلم أنّ كلمة «لا أعرف» لا تعد إجابة، لكنها الإجابة الوحيدة التي أمتلكها الآن. وحتى العثور على إجابة مغايرة، ستظلّ إجابتي.
بشكل ما، أتعامل مع الكتابة كأنها «لعبة». ليس بمعنى الاستهانة بها أو السخرية منها. لكنّي أقصد أني أستمتع بالكتابة كأنّي أمارس لعبتي المفضلة. التعامل معها بهذا الشكل يمنحني المتعة التي تتبعها السعادة. يمنحني اللعب مع الكلمات والجمل فرصة تجريب أساليب جديدة أو محاولة صنع أشياء تقبع في خيالي. اللعب مع الكتابة يمنحني الحرية، ويعيدني إلى الطفولة، حيث الدهشة ومراقبة العالم والشغف باكتشاف المجهول وخلق عوالم غريبة من أشياء بسيطة، والإيمان بوجود هذه العوالم. هذا ما أقصده باللعب مع الكتابة!
أحمد عبد اللطيف: تراكم الأفكار الإبداعية بحرِّية ونضج
دعني أبدأ من فكرة أن الكاتب الذي يعيش في برج عاجي تجاوزه الزمن، فالظروف الراهنة بما فيها من اضطرابات لا تسمح لأحد برفاهية الانفصال عنها. ولكنني أوضح أنني أعتقد فيما قاله خوزيه ساراماجو ذات يوم، إنه ينزل للفاعليات المطلبية باعتباره مواطناً لا باعتباره كاتباً، وإن واجب الكاتب في الأساس أن يكتب كتابة جيدة.
المشاركة، إذن، في اللحظة التاريخية جسدياً التزام اجتماعي.. أما كيف يتحول ذلك إلى كتابة إبداعية، فهذه قضية أخرى. وفي رأيي، أن التورط في الواقع بشكل كلي لا ينتج كتابة جيدة، هنا يأتي السؤال الحقيقي حول الفن: كيف يمكن أن أحول حدثاً عظيماً إلى إبداع عظيم؟ أعتقد أن الخطوة الأولى هي البعد الزمني، والسماح بتراكم الأفكار بحرية ونضج ودون تعجل في الإبداع.
محمد الفخراني: رهان على الإنسان أولاً وأخيراً
في ضميري، أومن بكتابة لكل البشر.. يقرؤها كل البشر، وبالتالي فإن صلحت كتابتك لأن تكون مشروع حياة، فتقبض منها بيدك وترمي في الفراغ، فتنبت بشراً وشوارع، أحلاماً، سعادة، مطراً، أشجاراً، جبالاً، بيوتاً، مشاعر.. فأنت كاتب. أن تصلح حياتك لأن تكون مشروع كتابة، فيكون لها جمال وسحر ومغامرة الكتابة. أن تراهن على الإنسان.. فتكتب عنه.. له.. لن تخسر أبداً. وأن تصر على هذا الشرط الإنساني والجمالي في كتابتك.. فأنت كاتب!
أومن بأن الكتابة حلم فردي، لكل كاتب حلمه وتجربته، ومغامرته الفنية والإنسانية التي تخصه وحده، ولا يمكن دمجها في جيل أو مجموعة، الكتابة تسقط من تاريخها لفظ «جيل» وتحتفظ فقط بأسماء مفردة، لن تعيش كتابة ما، لأننا نضع أسماء كتاب بجوار بعضهم بعضاً، أو بأن نطلق عليها مسميات أو توصيفات..
الكتابة تعيش بصدقها وإحساسها وما تقدمه من عالم ووجود، وما تبحث عنه في الوجود، تعيش الكتابة الصادقة، التي يصدق كاتبها كل كلمة فيها.. ليس فقط الصدق الفني، بل أيضاً الصدق الإنساني مع كل كلمة وشخصية يكتبها.. تعيش كتابة تكتب الإنسان.
حمدي الجزار: خارجها يصير العالم محض عدم
الكتابة، عندي، كتأمل قوامه المزج بين الخيالي والواقعي، ومظهره ووسيلته الوحيدة اللغة.. الكتابة عالم مستمر يستولى علىّ في اليقظة والمنام، أحيا فيها ومعها الحقيقي والوهمي، أصادف الدرر والألماس والصفيح، الصدق والكذب، الجميل والدميم، وما يكفي من المتعة والألم والتجارب والخبرات، وخارجها يصير العالم محض عدم!
إذا استطعتَ أن تخوض هذا المسار، ولا تتراجع عنه قيد أنملة، فقد آن الأوان كي تكون كاتباً!
عبد الرزاق بوكبة: بين الشغف والحرفة
الروائي والقاص والشاعر الجزائري عبدالرزاق بوكبة قال إن الكتابة حرفة مثل باقي الحرف التي عرفها الإنسان. فهي تقوم أولاً على الشغف، إذ لا يمكن أن يفلح أو ينبغ إنسان ما في حرفة معينة ما لم يكن شغوفاً بها. ومن غير ذلك قد ينخرط فيها مدةً من الزمن ولكنه سيتخلى عنها أمام ملل طارئ أو إكراه أو إغراء.
والكتابة أيضاً ككل الحرف تقوم على عنصر التكوين. فلكل حرفة أصول وقواعد وتقنيات لا تستوي إلا بها. وهذا يقتضي، في حالة الكتابة، سعة الاطلاع والاحتكاك والتكوين الدائم، ومواكبة ما يستجد فيها من إبداعات وموجات ومقولات جديدة. ولن تكون الحرفة حرفة، بل ستسمى هوايةً، إن لم تكن منتجة ومتفاعلة مع ما يتوفر عليه محيطها من أسواق ومستهلكين، وفي هذه الحالة، لنقل متلقين. ومن هنا، لا يكون الكاتب جديراً بكونه كاتباً إلا إذا كان شغوفاً بفعل الكتابة. وملمّاً بأصولها وقواعدها وتقنياتها وفنياتها الإبداعية، وعارفاً بطبيعة المتلقي الذي يتوجه إليه، ومنتجاً على الدوام، أي أن يكون صاحب رسالة ومشروع جمالي.
محمد الهادي الجزيري: رسالة أدبية وإنسانية رفيعة
أما الشاعر التونسي محمد الهادي الجزيري فيعيد طرح السؤال مجدداً قائلاً: هل تعرف كيف تكتب كلّما بلغ بك اليأس مبلغاً عظيماً؟ ويجيب: إن كان جوابك على هذا السؤال إيجابياً فهذا يعني أنّك كاتب.. وأنا لست من أتباع الموضة والحدث الظرفي، كما أنني لست أيضاً من هواة إضافة صفة «الكاتب» إلى اسمي الثلاثي. هذا تعريفي لكلّ من يتجرّأ على انتحال صفة ليست فيه، أو محاولة التجسد في قالب أكبر منه، الكتابة قدر لا ينفصل عن الكاتب.. فهو يبقى يتنفّس الكتابة مدى الحياة.. وتبقى آثاره المكتوبة مستمرة استمرار الزمن.. ومثل هذا النموذج هو من أراه كاتباً مبدعاً لا غبار عليه.. وقلّة قليلة ظلّت وفيّة لهذه الصفة الأدبية، وما زال تألّقها الكبير مستمراً في أنحاء العالم.. ما زال توهّجها متواصلاً.. الكتابة ديدن وداء لا شفاء منه.. أحياناً قد يُصاب الكاتب بالإحباط ويُقرّر رمي المنديل.. وفجأة تعاوده الحالة.. حالة الحنين إلى تدوين فكرة ما.. أو مكابدة فكرية لقصيدة.. ويعود.. إذ أنّه في باطنه مكلّف برسالة ولا يهمّه ما يكتبه عنه الناس.. أو ما يتناقلونه.. وهذا ما يجعل مبدعاً وكاتباً متميزاً.. فمثل تلك التجارب تصنع المبدع وتصقله تماماً.. والكاتب بطريقة ما يؤرخ الحقبة التي يعيشها بالرواية أو الشعر أو بالتأريخ الصادق النزيه، وهذه رسالته الأدبية والإنسانية.
عزيز العرباوي: الأثر والتأثير
الكاتب والناقد المغربي عزيز العرباوي يرى أنه لا يمكن وصف كل من يحمل قلماً ويخط كلمات، أو يدوّن نصّاً ينشره هنا أو هناك، بأنه كاتب، كما لا يمكننا أيضاً أن نعتبر كل من ينشر نصّاً في منبر إعلامي كيفما كان نوعه أو شكله كاتباً بالضرورة يستحق القراءة والمتابعة.
فهناك آلاف النصوص والمقالات المنشورة يوميّاً يصعب أن ننتقيَ منها ما يستحق القراءة، أو ما هو جدير بالاهتمام النقدي. ومن هذا المنطلق، فقد يختلط علينا الحابل بالنابل في زمن الانفتاح الثقافي، وهيمنة وسائل التواصل الاجتماعي ومنابرها المتعددة، مع تعاظم تداعيات ذلك على الكتابة والإبداع الحقيقييْن! حيث قد يسهُل على من يرغب في تمرير فكرة معينة أو تصفية حساب مع شخص آخر أن يلج عالم النشر ويكتب ما يحلو له من الكتابة، ويخط ما تفتقتْ عنه عقليته من كلام مرسل قد لا يمت بصلة إلى الكتابة أو الإبداع بمفهومهما الفني والأدبي.
لقد كثرت بيننا، نحن الذين نحسب على الكُتّاب، أقلام استسهلت كل شيء، حيث ركبت موجة الكتابة في الأدب على الخصوص، فأغرقت الساحة أحياناً بالتفاهات ونصوص الرداءة التي يعاني منها القارئ أكثر مما تمتعه، وقد تدفعه إلى السخرية والهزل منها، مما قد يؤدي إلى عزوف واضح عن القراءة وتخلٍّ عن كل ما يتصل بها. بل وأخذ مسافة من أصحاب القلم عامة وربما حتى التشكيك في إبداعهم وفي ما يكتبونه. ولعل العزوف الذي نعيشه منذ عقد من الزمن على الأقل في مقاطعة بعض الصحف في بلدان عربية أوضح مثال على ما قلنا.
إن الكاتب الحقيقي، والناقد على الخصوص، مدعو اليوم إلى مواجهة أقلام الرداءة وفضحها أمام القارئ لتجاوز النزيف الذي تعيشه صناعة الكتابة عامة في عالمنا العربي.
والكاتب الحقيقي هو الذي يترك أثراً واضحاً في متلقي إبداعه، وينفعل معه، ويتفاعل مع مشاعره وأحاسيسه ويشاركه أفكاره ومواقفه، بل هو الذي يشعر نحو قارئه/ متلقيه بشيء من الكيمياء المثيرة التي تدفعه إلى الكتابة ومحاولة التأثير فيه وتوجيهه وتوعيته ثقافياً وفكريّاً بشكل أو بآخر، وما دون ذلك هو مجرد كلام مطلق على عواهنه وكتابة محدودة وبسيطة. فأن يكون المرء كاتباً معناه أن يصير شاعراً أو روائياً أو ناقداً أو مفكراً، ويصبح في كل الأحوال مفوضاً ضمناً من القارئ للتعبير والقول، قول أشياء والتعبير بأفكار يعجز القارئ العادي عن بلوغها.
فوزية العكرمي: الحس والخيال والابتكار
الشاعرة التونسية فوزية العكرمي ترد على السؤال: من هو الكاتب؟ وتجيب: يفترض السؤال تحديداً دقيقاً لمفهوم الكتابة الإبداعية باعتبارها فنّاً راقياً تتوفّر فيه مقوّمات الفنّ من ثقافة وحسّ دقيق وخيال وابتكار، والكاتب هو المتمكّن من فعل الكتابة صاحب التصوّر والرسالة، وهذا كلّه لا يتأتّى إلّا إذا كان الكاتب ملمّاً بقواعد اللغة التي يكتب بلسانها، مستحضراً روحها بين ثنايا ما يحبّره مستغلّاً طاقتها التخييلية والمجازية لصالح إبداعه.
والكاتب أيضاً هو الذي يمتلك موهبة الكتابة دون تصنّع أو تكلّف. ويخوض الكاتب تجارب عديدة في الكتابة وقد لا يهتدي إلى هدفه إلّا بعد لأْي لأنّ الأدب بحر مترامي الأطراف، ومتى أبحر الكاتب فيه عليه أن يكون متشبّعاً بفنّه عالماً بخصوصية إبداعه، وقد يمضي الكاتب عمره في التجريب دون أن يهتدي إلى المسلك الحقيقي للأدب الحقّ.
الكاتب الحقّ كالفنان الحق كالرسام الحق لابدّ أن يمتلك السمات التي تميزه، ولابدّ أن يمتلك الموهبة التي يصقلها بفعل القراءة والتواصل مع الآخرين والمطالعة والانفتاح على تجارب الآخرين، هو الذي يحسن الاستفادة من تجارب غيره، وهو الذي يمتلك خيالاً وله رؤية فلسفية للوجود، وتعمق في التجربة الإنسانية، سواء كانت تجربته الخاصة أو تجربة غيره ليصل إلى حقيقة الدوافع التي تحركها. وفي مرحلة ثانية لابد من امتلاك ناصية اللغة والقدرة على التعبير. والكاتب الحق هو الذي يختار أسلوب الكتابة الملائم لقدراته وإمكانياته، ولابد أن يمتلك تجربة إنسانية ثرية يكون لها صدى بليغ في كتاباته.
إنّ الكتابة عملية معقّدة تستوجب تضافر عوامل عديدة أهمّها العوامل الذاتية، ومتى وعى الكاتب بأسبابها أمكنه أن يكتب أدباً رفيعاً وفريداً. ولابدّ للكاتب أن يتجاوز التفكير فيما قد يعيق إبداعه كالتفكير في الشهرة، أو الجوائز، ولنا في مسيرة الروائي العربي الكبير نجيب محفوظ خير مثال، فالرّجل عبّر في أكثر من مرّة بأنّ الجوائز لا تعنيه مطلقاً، وإنّما هو منهمك في تطوير أدواته الفنّية، وتطوير أدبه لإفادة الأجيال القادمة، فحاز أهمّ الجوائز الأدبية.