أبوظبي (الاتحاد)
بمناسبة اليوم الدولي للترجمة، ودعماً للمبادرات والفعاليات الرامية إلى تطوير قطاع الترجمة والنهوض به على المستويين المحلي والعربي، نظم نادي «كلمة» للقراءة في مركز أبوظبي للغة العربية التابع لدائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي، بالتعاون مع جامعة السوربون أبوظبي، ندوة حول رواية «الكرنتينة» الصادرة عن مشروع «كلمة» للترجمة، لمؤلفها جان ماري غوستاف لوكليزيو، وترجمتها إلى اللغة العربية نهى أبوعرقوب.
وشارك في الندوة كل من الدكتور محمد آيت ميهوب، الكاتب والمترجم وأستاذ اللغة والآداب العربية بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية في جامعة زايد بأبوظبي، والدكتورة هناء صبحي، أستاذة اللغة والأدب الفرنسي في جامعة السوربـون أبوظبي، وأدارتها إيمان محمد تركي، مديرة برامج التحرير في مركز أبوظبي للغة العربية.
تعزيز لغة الحوار
وأكد سعيد الطنيجي، المدير التنفيذي لمركز أبوظبي للغة العربية بالإنابة، أنّ اليوم الدولي للترجمة يسلّط الضوء على أهمية الترجمة في التبادل الثقافي والمعرفي، وتعزيز لغة الحوار بين الحضارات والشعوب، وتقريب المسافات الإنسانية فيما بينها، إذ تعدّ مناسبة للتعريف بثقافة وهوية وتاريخ وتراث وإبداع أي بلد، وهي جزء لا يتجزّأ من أي حراك أدبي وفكري عالمي. ويعمل مشروع «كلمة»، وهو مبادرة طموحة لإحياء ودعم حراك الترجمة في العالم العربي، على دفع وتيرة العمل الثقافي الفاعل في أبوظبي، بما يضمن تعزيز مكانتها وريادتها في المنطقة، ويدعم الجيل الجديد من المترجمين، بالإضافة إلى نقل المعرفة من وإلى اللغة العربية الأصيلة.
أدب الجوائح
وتأتي رواية «الكرنتينة» ضمن أربعة أعمال منتخبة من أدب الجوائح الفرنسي صادرة عن مشروع «كلمة»، وتشمل أيضاً رواية «الفارس على السّطح» لجان جيونو، و«الحرب الخفيّة» لجان مارك مورا، و«جغرافية البعوض السّياسيّة» لإريك أورسينا وإيزابيل دو سانت أوبان.
ويستعيد الكاتب في رائعة «الكرنتينة» تفاصيل إقامة إجباريّة عاشها جدّه لأمّه في جزيرة صغيرة مجاورة لجزيرة موريشيوس. ويدشّن الرّواية ويختتمها ساردٌ أوّل، قريب إلينا في الزّمن، يستحضر في فصلين أوّلين ذكرياته عن جدّه جاك، وشقيق جدّه، ليون، الذي يحمل هو نفسه اسمَه، ثمّ شغفه بسيرة الشّاعر آرتور رامبو. وفي الفصل الختاميّ يسرد رحلته إلى جزيرة موريشيوس، بحثاً عن جذوره، وما بقي من الصّور وصغير الآثار، ويسترجع عالم الأمس ويلاحظ زواله شبْه الكليّ.
سردية كبرى
وبالرّغم من أهميّة كلّ فصول الرّواية، يرى كاظم جهاد الذي راجع ترجمة الرواية وقدم لها، أنّ المحور الأساس لهذا العمل إنّما يتمثّل في السّرديّة الكبرى التي يضطلع بها الجدّ ليون، متّبعاً الزمن الفعليّ لما عاشه فيها من أحداث، بصحبة شقيقه جاك وزوجته سوزان. ويبحر الثلاثة في سنة 1891 على متن السفينة لافا إلى موريشيوس، لاستعادة إرث عائلتهم، آل أرشمبو الذي استحوذ عليه كبير العائلة، عمّ لهما اسمه ألكسندر، وحرمَ منه الجميع. وقبل الوصول، يشيع وباء الجدريّ بين الركّاب وطاقم الملّاحين، وقد التقطه مسافران في أثناء توقّف مؤقّت للسّفينة. فيُنقَل المسافرون إلى جزيرة بلات، المجاورة لموريشيوس، التي أقيمت فيها كرنتينة لجميع صنوف الأوبئة، وسرعان ما تزجّهم في معيشٍ جهنّميّ. وشيئاً فشيئاً يتحوّل العيش في الجزيرة إلى تجربة مريرة، يزيد من حدّتها السّلوك والتّفكير الاستعماريّان للمسافرين البيض.
هويّة متعدّدة
ولد كاتب الرواية، جان ماري غوستاف لوكليزيو، في مدينة نيس الفرنسية في سنة 1940، وفاز بجائزة نوبل للآداب في سنة 2008، ونشأ في بيئة موسومة بتعدّد الأصول والمشارب الثقافيّة، وهو ما جعل منه شعار عمله الأدبيّ الضّخم ومنطلقه الأساسيّ. فبعد طور أوّل أنتج فيه روايات تميّزت بسعي جادّ إلى تغيير شكل الرّواية ولغتها، ما لبث أن تملّكه الشّعور، لا بل القناعة بانتمائه إلى هويّة متعدّدة وبالتقاء عدّة روافد حضارية في تكوينه. وهكذا جعل من نفسه كاتب الغيريّة المطلقة وروائيّ التّصاهر والخلاسيّة والتعدّد والانحياز للآخر في اختلافه المُخصِب مثلما في امتحانه التاريخيّ والإنسانيّ.
أما مترجمة الكتاب، نهى أبو عرقوب، فهي أديبة أردنيّة من مواليد دورا الخليل، فلسطين، حاصلة على درجة البكالوريوس في اللّغات الحديثة من جامعة اليرموك. ساهمت بترجماتها الأدبية في العديد من الدوريّات العربيّة، ومن الكتب الصّادرة بترجمتها: «الكاتب والآخر» لكارلوس ليسكانو، و«الأعمال الكاملة وقصص أخرى» لأوغستو مونتيروسو، و«الحبكة الإنسانيّة» للكاتب المسرحيّ البريطانيّ إدوارد بوند، ورواية «أبجديّة الصباح» لأليس ريفاز، و«عودة الأمير الشابّ» لأليخاندرو غييرمو رومرس، وكذلك «وهذا أيضاً سوف يمضي» لميلينا بوسكيتس. ولها ترجمات شعريّة تصدر قريباً عن مشروع «كلمة» للترجمة في أبوظبي.