محمد نجيم (الرباط)

برعت التشكيلية المغربية محاسن الأحرش، في معرضها الجديد المنظم بمدينة طنجة، في منح المتلقي لحظة من الجمال والتأمل من خلال استحضار وجوهٍ لأشخاص يحملون نظرات مثقلة بالحيرة والشك، وجوه ممسوحة ومترعة بقوة الريشة بألوان مختلفة تحاول الغوص في القلق الكامن في ذوات شخوصها هلامية الملامح. 
فثمة رسائل كثيرة تحملها لوحات التشكيلية محاسن الأحرش، رسائل خفية وإشارات جمالية غامضة يتعين تفكيكها وفتح مغاليقها من طرف المتلقي، لأن في اللوحة تضادات ومتاهات ينبغي الغوص فيها وإعمال ثقافة جمالية ونظرة فلسفية لتفكيك النص البصري الذي تبدعه الفنانة محاسن برؤيتها الفنية وحسها الجمالي المثقل بالعلامات اللونية، حيث التزاوج الروحي بين اللون والحركة بتوازن ومهارة.
وتنتقل الفنانة محاسن الأحرش، من فساحة المجال البيئي، لتسجل، كما قال الناقد الجمالي بنيونس عميروش: «طبائع السحنات، حيث تظل ضربات محاسن على سجيتها، ولكن بقدر من التخطيط الذي يرسم الحروف والملامح التي سرعان ما تتلاشى، لأن الأمر لا يتعلق ببورتريهات وشخوص معينة، بقدر ما يروم التوكيد على نظرات الآخرين التي تتقاسم نظرتنا وكياننا». 
وفي هذا السياق، فإن الإنسان لدى محاسن ليس إلا تعدد وجوه، تعدد تعابير ونظرات مختلفة منبعثة من المصدر نفسه. ومن ثمة، تتوحد السحنات على صعيد الأسلوب التصويري والمعالجة التقنية التي تقوم عليها صفتها المظهرية، بينما تتعدد من خلال مفارقات الأعين المفتوحة التي لا تمتلك إلا أن تشركنا في توقها وحلمها وتطلعها وانكسارها.ويبدو أن الفنانة محاسن، بهذه الأعمال التي أضحت تعكس لمستها الممهورة بنَغمِية ذاتية بادية، إنما تصر على تجويد رؤيتها ونمط تعبيرها، بعد أن سطرت طريقها الذي بدأته انطلاقاً من الملاحظة ومحاكاة «الواقع» وتثبيت دقائقه استناداً إلى مواضيع «تشخيصية» ذات صلة بمدينتها وبيئتها، إلى أن شرعت في تفكيك المرئي المعيش، وتخليصه من الزوائد والجزئيات، لتتخذ هذا المسلك الذي يشغل فيه المتخيل نصيب الانزياح، ما أضفى على لوحاتها مسحة «التجريب» المرشح باستمرار لإبداعية راقية.
وتقدم لنا محاسن الأحرش لوحات مليئة بالوجوه وهي، كما قال الناقد محمد الجرودي، لوحات تحاول من خلالها فك رموز مشاعرنا المتناقضة والمختلفة والمتقلبة، حيث اختارت الوجه كموضوع إبداعي تستمد منه الإلهام الذي ينعش عملها، وقد استطاعت من خلال لوحاتها الغوص في ذواتنا ومنحنا صورة عن حياتنا بكل أبعادها، ولا نعرف ما إذا كانت الفنانة تخفي سؤالاً حقيقياً عنا: لمن تلك الوجوه؟ ربما هي لنا دون أن نعرف ذلك، لأن وجوهنا مرايا، وكل وجه انعكاس لوجوه أخرى.
والحال أن محاسن الأحرش تفنّنت، من خلال لوحاتها، في تقديم بوحٍ جمالي يحمل كل معاني الجمال والشاعرية من خلال غوصها في الذات البشرية في مختلف أبعادها وزوايا النظر إليها إنسانياً وجمالياً.