هزاع أبو الريش (أبوظبي)

حين تصل الفكرة إلى أعلى مرتبة من مراتب اللاوعي، يصبح صاحبها خارج نطاق المعهود، لا يرى إلا نفسه، غائصاً في ذاتيته المفرطة، حيث إن الرؤى الإبداعية، حتى وإن كانت صحيحة، إن لم تنفتح على الآخر، وفكره، تبقى منقوصة الدلالة والسياق. فمهما بلغ الكاتب من قوة الإبداع، يتعين عليه التفاعل والتواصل أيضاً مع إبداعات الآخرين، لا أن يكون منعزلاً بأفكاره، أو منطوياً على نفسه في برجه العاجي، منزوياً عن أفكار الآخرين، لكون الإبداع الحقيقي والإنتاج الفكري الجاد يأتي غالباً من خلال التفاعل والتراكم الثقافي والتواصل والانفتاح على المشهد الأدبي العام، القريب والبعيد. 
وفي هذا السياق تقول الشاعرة شيخة المطيري، رئيس قسم الثقافة الوطنية بمركز جمعة الماجد: إن الإنسان بطبيعته كائن اجتماعي، يحب التواصل والتفاعل والحوار. وفي كثير من الأحيان قد نجده يبادر بإعطاء رأيه وملاحظاته، مضيفة: ونقف الآن أمام هذا الطرح الذي قد يأتي بطريقتين، فقد يكون بأناقة لفظية رائعة ومهذبة، وقد يأتي أيضاً عبر لغة فيها نفَس من فوقية واستعلاء أدبي، ومن هنا تتشكل ردود الفعل عند متلقي الملاحظات.

وتابعت: هذا ما يحدث عند بعض الكُتاب حين يقدمون إبداعهم ويشاركون مجتمع الأدب هذه النصوص والأعمال، وهناك من قد يتقبل الآراء وينصت لها ثم يأخذ بها أو على الأقل يفكر فيها ملياً، وهناك أيضاً من يرفض أن يتدخل أحد في نصوصه. ولعلي أقرأ الأمر من ناحية أخرى، وأنظر إلى ما قد نسميه أو نظنه «نرجسية» أو عزلة بطريقة مختلفة قليلاً، إذ أرى أن الكاتب، وأتحدث هنا عن الشاعر تحديداً، يكتب قصيدته في لحظة خاصة، وهكذا تجيء الكلمات التي اختارت أن تنساب في النص لتتناسب مع الحالة النفسية لمبدعها، ولذا فحين يقدم قصيدته فهو يقدم روحه، فكيف يكون للآخرين الحق في إعادة صياغة مفردات تلك الروح. 
وأضافت: كنت أستمع لمن يقول مثلاً وكأن الأمر فرض: «عليك أن تقول غيمة لا سحابة»، وليس لأحد حق التدخل والوعظ الأدبي والتعصب للرأي إلا إذا كان الأمر متعلقاً بخطأ نحوي أو لغوي أو عروضي. ولا ندري تماماً ذلك الذي اختار العزلة، وما هو السبب الذي جعله يختار العزلة والابتعاد، أما النرجسية المرفوضة فهي نرجسية الكاتب الجديد الذي لا يملك خبرة كافية وما زال في بدايات تجربة الكتابة! عليه أن يستمع لمن يقدمون له النصح، وتحديداً فيما نراه اليوم من عدم الفهم الجيد لما يكتبون، فبعضهم لا يقرؤون ولا يمتلكون اللغة ولا الخيال، ولكنهم يريدون البحث عن الأضواء فقط. وفي النهاية المشهد الإبداعي بحاجة دائمة للحركة والحياة والنقاش والتفاعل لكن ضمن حدود اللباقة الأدبية، والأناقة الفكرية.

وبدوره، قال الكاتب حارب الظاهري، إن نرجسية المبدع، حسب التفسيرات الواردة من الدراسات الإنسانية التحليلية، هي في صورة مرَضية ذاتية تكمن في حب الذات إلى درجة قد تترجم إلى نوع من الوهم، لأن الذات لا تقبل، في هذه الحالة، التشكل إلا بطريقة مختلفة عن الآخر. وبطبيعة الحال فالعالم والمفكر والكاتب والشاعر قد تسيطر عليه أفكار وتساؤلات ذاتية أو وجودية، ولذلك يبحث عن تأكيد ذاتيته ووجودها، ولذا يتداخل البعد الذاتي مع الإبداع. ويسعى لأن يحافظ على فلسفته المتوهجة لدى المتلقي ضمن إطار الشخصية، على أنه مختلف شئنا أم أبينا، وأفكاره كذلك مختلفة، وشعوره نحو الآخر قد يكون مختلفاً، ولكن إذا ما شعر بعدم التزامه تجاه الآخر، قد يصاب بنوع من النرجسية المرَضية.
وتابع الظاهري: النرجسية تنتاب البعض في حال فقد الكاتب أو الشاعر صورته المفكرة أو المبدعة أو أفكاره المؤثرة، ولذا يبحث عن رمزية ينتمي إليها ليبحث عن رسالته الخاصة. واختتم مؤكداً أن المبدع الحقيقي يحاول عادة أن يتميز برسالته المتضمنة في إبداعاته وثقافاته المتعددة، ولا يخلق لنفسه مكونات واهمة يبثها في نفسه لتتضخم. وأما بالنسبة للانعزال فهو من طبيعة الكاتب، من وجهة نظر شخصية، ولا يعتبر بالضرورة نرجسية خاصةً في زمن يستطيع الكاتب فيه إدراك ما حوله والتفاعل مع الساحة الثقافية عن بُعد دون انعزال في مكان وزمان محدودين.

إيمان الهاشمي: المبدع لا يكوّن إضافة حقيقية إذا انعزل بأفكاره
من جانبها، أشارت الكاتبة إيمان الهاشمي إلى أن على المبدع الحقيقي أن يقتنع بأهمية الاطلاع على إبداع الآخرين كي يستطيع أن يتقدم بأفكاره نحو إشراقة إبداعية ملهمة تكون إضافة حقيقية للمشهد الأدبي، وتوخي النوعية فيما يقدمه من أعمال تخدم منتجه ومنتج الآخرين الإبداعي. وأكدت أن المبدع لا يكون إضافة حقيقية إذا انعزل بأفكاره، وابتعد عن إبداعات الآخرين معتقداً أنه هو «الوحيد» في عالم الأدب وغيره «لا شيء»، فجمالية التألق تكمن عادة في تنوع الأفكار، وتعددها.