إبراهيم الملا (الشارقة) 

تعتبر البساطة عند صاحب رواية (الخيميائي) هي أقصر الطرق إلى الفن والجمال، كما أن كتاباته تحمل في طياتها معادلة سحرية توازن بين منظومة الإبداع كقيمة حقيقية وأصيلة يصدّرها الكاتب، وبين منظومة السوق التي تفرض شروطا قد يراها البعض قاسية ومجحفة وتتبع أجندات ربحية، ولكن الروائي البرازيلي الشهير (باولو كويلهو) استطاع أن يناور في هذه المساحة القلقة ويخرج بنتائج إيجابية، بعد أن عاين عن قرب معاناة المبدعين مع  سوق النشر والتوزيع، والتي رأوا إنها تحدّ من حريتهم في الطرح الفكري والتجريب الأدبي.
لذلك يقف النقّاد والقرّاء والناشرون اليوم وهم مبهورون أمام هذا (الخيميائي الساحر) وأمام أسلوبه العجائبي في المزج بين استثمار المال، واستثمار الروح!
تحولت أعمال كويلهو إلى علامات فارقة في عالم الكتابة والنشر، حيث ترجمت بعض رواياته إلى أكثر من ستين لغة، في 150 بلدا، وتلقّفها القراء حول العالم كما لو كانت إكسيرا لعلاج أرواحهم، ومخاطبة أحلامهم، كما وصف الكثيرون روايته (الخيميائي) التي تحولت من مجرد كتاب إلى عوالم ضاجة بالسحر والحكمة، لأنها تمثّل رحلة داخلية نحو الهيام الذاتي والخيال الأسطوري، ووسيلة لاستجلاب الفرح.

  • غلاف رواية الخيميائي (أرشيفية)

أما روايته الشهيرة الأخرى (زاهر) Zahir التي يمكن ترجمة عنوانها إلى : «لا يمكن أن يمرّ دون أن يُلاحَظ» أو «المرئي دائما» وقد تكون الترجمة أقرب لكلمة: «ظاهر» في اللغة العربية، فتتناول حادثة اختفاء زوجة كاتب مشهور، ويجرّ هذا الاختفاء معه أسئلة كثيرة حول ما إذا تمّ اختطاف الزوجة أو قتلها أو هروبها مع شخص مجهول، تبحث الرواية أيضا في الأسئلة المعقّدة للعلاقات الزوجية، وما تحمله من جروح نفسية، وندوب عاطفية، وحيوات عاصفة، وصراع أبدي بين الحريّة والكبت، والحلم والواقع، وبين الرغبة في الخلاص الذاتي، والشروط الاستحواذية للشريك.
تحوّل (باولو كويلهو) المولود عام 1947 بمدينة ريو دي جانيرو بالبرازيل في ظرف عقد من الزمان من مجرّد كاتب فقير ومتشرّد، إلى مليونير تتربع كتبه على عرش أكثر الكتب مبيعا في القارات الخمس، من خلال تبنّي أعرق دور النشر العالمية لرواياته وأعماله الأدبية، ورغم الطابع الاستعراضي والترويجي المصاحب لإصداراته الجديدة والطبعات الاستعادية لنتاجاته القديمة، ورغم هجوم النقّاد على أسلوبه الأدبي المبسّط، إلاّ أن (كويلهو) يدافع عن هذه الاتهامات من خلال الأريحية التعبيرية التي يتقن استثمارها، واستطاع بها الوصول إلى أكبر شريحة ممكنة من القراء وعشاق الروايات، والنفاذ إلى قلوبهم بأقل الوسائل الكتابية، وبأفضل الطرق القادرة على التسلّل إلى بواطن اللذة المعرفية، والانتشاء الروحي، ويرى (كويلهو) أن الإسراف في البلاغة والزخرفة اللفظية والفلسفية يؤدي إلى إقحام المسار الروائي في طرق وعرة، ولا يمكن للعديد من القراء التفاعل والتواصل معها حتى النهاية، واصفا هذه الروايات المعقّدة بأنها أشبه بمدائن مطمورة ومحاطة بالضباب والرعب والأسلاك الذهنية الشائكة!
ولكن هذه البساطة التعبيرية عند (كويلهو) لا تعني بالضرورة استسهال الكتابة الروائية، والتخلي عن شروطها القياسية، وإلغاء الصياغة النوعية للمنتج الأدبي، ويبدو أن الملكة الفردية التي يتمتع بها (كويلهو) في مزجه بين نخبوية العرض وجماهيرية الطلب، هي التي قادته لهذا الموقع المتميز على خارطة الرواية العالمية، والتي لا يمكن حيازة المكانة المرموقة فيها دون التعامل الذكي والواعي مع سوق النشر ضمن احتياطات وافية لا يكون فيها العمل الأدبي استهلاكيا وضحلا، ولا يتخلى في ذات الوقت عن تلبية نهم القراّء ورغبتهم في متابعة خيوط التشويق والجاذبية داخل الزمن السردي منذ بدايته وحتى النهاية.