محمد عبدالسميع (الشارقة)
نظم النادي الثقافي العربي في الشارقة، مؤخرا، محاضرة ثقافية بعنوان «السلم الخماسي بين الكلمة والنغم» ألقاها الناقد الموسيقي اليمني نزار غانم وأدارها خبير المسرح محمد سيد أحمد، الذي عرّف غانم بأنه جسر من جسور التلاقي والأخوة بين اليمن والسودان ورمز من رموز المحبة بينهما، من خلال كتاباته التي يحتفي فيها بالروابط الثقافية بين الشعبين، وأوجه التشابه والتأثير بينهما.وأضاف أن الموسيقا إحدى أكثر المجالات التي نتلاقى فيها اليمن والسودان، ولذلك فالحديث عن السلم الخماسي لا بد أن يمر بهذه العلاقة، ويمر بالروافد الأفريقية للموسيقا العربية، باعتبار أن السلم الخماسي هو النمط الموسيقي السائد في السودان ومجاله الجغرافي الثقافي.
وقال غانم: إن السلم الخماسي في الموسيقا هو فاتحة لمعرفة الأفق الثقافي وطرق التواصل والتأثير بين مجتمعات بشرية عدة، لأنه يحتل جغرافيا النصف الجنوبي من الكرة الأرضية تقريبا.
وأضاف أن السلم الموسيقي الذي ساد العالم الحديث هو السلم الموسيقي الغربي الذي يتألف من سبع نغمات، لكن السلم الخماسي يختلف عنه في أن نغماته خمس فقط، ونظرا للسيطرة الاستعمارية على العالم فقد حاول الغرب القضاء على كل الأشكال الموسيقية غير السباعية، واعتبروا كل ما لا يتلاءم معها لا قيمة له، وفي المنطقة العربية سادت تلك النظرة الغربية، ونشأ عنها تحول الموسيقيين نحو السلم الغربي، وكاد الإرث الموسيقي العربي يندثر، رغم أنه تراث موسيقي عريق غني يتكئ على مجموعة من المقامات التي تشهد بعبقرية الموسيقيين العرب. وأضاف «كانت الحواضر العربية العربية القديمة مثل بغداد دمشق والقاهرة وتونس مجالا لإنتاج موسيقي رائع، وأنتجت فيها كتب عن الموسيقا، ما يؤكد أن الفكر الموسيقي العربي كان حاضرا في نهضة الحضارة العربية، وشكل وجها من أوجه التثاقف بين العرب وغيرهم من الأمم التي انضوت تحت سلطة الحضارة العربية الإسلامية».
وأشار غانم إلى أن أول إشارة إلى السلم الخماسي جاءت على لسان إسماعيل بن جامع مغني الرشيد وهو أحد الثلاثة الذين جمعوا المائة صوت التي دونها أبو الفرج الأصفهاني في كتابه «الأغاني»، وهو رجل من قريش أمه يمنية، ويشير ذلك إلى قدم وجود هذا السلم في المجال العربي، واعتمادها في بعض مجالاتها الجغرافية عليه.
وعن الاهتمام الحديث بالسلم الخماسي، قال المحاضر إنه نشأ بعد الفترة الاستعمارية، مع باحثين ألمان من بينهم الألماني هانز هولفريتز، صاحب كتاب «اليمن من الباب الخلفي»، الذي كتب عن الموسيقا العربية وأن لها نظرية غير مكتملة فيها مقامات وسلم خماسي، ثم تطور ذلك إلى بحوث حول هذا السلم في مؤتمرات عالمية، ثم كان ثم جاء تأثير الموسيقا الأفريقية في الموسيقا الأميركية في السبعينيات، دافعا لتزايد الاهتمام بهذا السلم، باعتبار الموسيقا الأفريقية قائمة في أغلب تجلياتها على هذا السلم، وشيئا فشيئا اكتشف العالم أن السلم الخماسي هو نظرية موسيقية قائمة بذاته تختلف عن النظرية الموسيقية الغربية، وأن النظرية الأحادية الغربية التي بنيت عليها أسس الموسيقا الحديثة ليست صحيحة ففي العالم نظريات موسيقية أخرى وتنوع وإبداع ليس بالضرورة تابعا للمجال الفني الغربي.
وعن المجال الجغرافي الثقافي للسلم الخماسي، قال المحاضر إنه ينتشر في السودان وشرق أفريقيا ووسطها والمغرب العربي واليمن، وله تجليات عديدة في مصر والخليج والمنطقة العربية بشكل عام، كما أن له وجودا في أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى والصين وآسيا الشرقية، وفي إسبانيا وبعض الجيوب الأوروبية الأخرى، ما يؤكد سعة انتشاره، وعراقة وجوده في المجتمعات، وأنه انتشر في هذه المجالات بفعل الهجرات البشرية، والتبادل الثقافي بين الأمم منذ آماد طويلة.
وقال إن بعض النظريات ترجح أن السلم الخماسي نشأ في أفريقيا باعتبارها مهد الإنسان، وانتشر في الحزام السوداني الذي تمثله المنطقة الممتدة أفقيا من المحيط الأطلنطي غربا إلى وادي النيل والبحر الأحمر حتى هضاب الحبشة شرقا، ومن هناك انتقل مع الهجرات البشرية عن طريق بوابة اليمن إلى الجزيرة العربية التي انتشر منها إلى أنحاء عديدة من العالم.
دراسات في بداياتها
أكد الناقد الموسيقي اليمني نزار غانم، في محاضرة نظمها النادي الثقافي العربي في الشارقة، مؤخرا، بعنوان «السلم الخماسي بين الكلمة والنغم»، أن الدراسات حول السلم الخماسي ومجاله الجغرافي والثقافي وتنقلاته وتجلياته وأشكال التلوين الثقافي التي يأخذها في مناطقه المختلفة، لا تزال في بداياتها، وفيما يخص الحزام السوداني والمنطقة العربية فإن هناك ضرورة ملحة لدراسات معمقة حول هذا السلم، يمكن أن تكشف عن قوة تأثير الثقافة والفنون العربية ومدى انتشارها وتأثيرها في العالم.