فاطمة عطفة (أبوظبي)

بين قراءة الشعر أو الاستماع إلى شاعر ينشد قصائده، يشعر محب هذا الفن الجميل بأن وهجاً يمتد بين الحالتين، تفاعلاً واستمتاعاً واستغراقاً في الرؤى والمشاعر والعوالم التي يطوف بها الشاعر. وكان محبو الشعر أول أمس على موعد مع الشاعر أدونيس في مسرح المجمع الثقافي في أبوظبي، في أمسية شعرية طاف خلالها بالزمن من سبعينيات القرن الماضي حتى انتهى مع الجذر الأول للحياة، وهو الحب الذي يحيي ويمتع كل إنسان وكل زمن. وفي بداية الأمسية وقف الإعلامي فيصل بن حريز مرحباً بالشاعر وجمهوره بكلمات ندية دافئة، مشيراً إلى أن سماع الشعر من مبدعه يظل أجمل.
وتحدث الشاعر أدونيس قائلاً: اسمحوا لي أن أشكر مركز أبوظبي للغة العربية في شخص الدكتور علي بن تميم، رئيس المركز، لدعوته الكريمة إلى هذه التظاهرة الثقافية المضيئة، معرض أبوظبي الدولي للكتاب، احتفاء بالكتاب العربي وحضوره في العالم، منوهاً لأنه يقدم أمسيته تحية للمرأة العربية في ميادين الإبداع فكراً وفناً وشعراً، وفي ميادين النضال حقوقاً وحريات.
إن استمتاعنا بالاستماع إلى الشاعر يحملنا إلى عوالمه الفنية والجمالية المبتكرة، وخاصة أن أدونيس يقدم في تجربته الشعرية المتفردة صوراً جديدة مدهشة، وهو يبدع نسيج قصائده بخيوط من نور خيالي وألوان أثيرية شفافة، وليست من الكلمات المعروفة في أحاديثنا وقراءاتنا للشعر المنظوم على الطريقة القديمة. والشعر عند أدونيس ليس قوالب فكرية مستعارة من محابر الآخرين، ولكنه ارتياد آفاق غائمة واستكشاف عوالم لا نعرفها، ولكن المستمع أو القارئ يشعر بمتعة من حداثة الصور الفنية وتفاعل المشاعر، وكأن الشاعر يتحدث بلغة غير اللغة التي نعرفها، إنها لغة الروح والمشاعر وإبداع كون جديد مختلف. وهذا يؤكد ما قاله الشاعر في جلسة سابقة أن ترجمة الشعر غير ممكنة، وربما كانت شبه مستحيلة، لأن سر اللغة يكمن في نسيجها الشعري الفريد.
وبعد تشكيلات وألوان من الأسى والدموع وتناثر أعضاء الكون والكائنات وعناق الموت بين الأرض والفضاء القصي، ختم الشاعر مع الجذر الحياتي الأول، الحب الذي إذا فقدناه فقدنا الحياة ذاتها، واختتم الأمسية بالحب حيث يكون الورد فاتحة النشيد.