إبراهيم الملا (الشارقة)

ينتج الفنان الدكتور محمد يوسف في أعماله التشكيلية ما يمكن أن نصفه بالصيغة الفنية المتوازنة، والتي تمتزج فيها المرجعية التراثية مع التيارات المعاصرة، حيث تنطق منحوتاته بالنوستالجيا الجمعية، المنبثقة من المكونات البيئية والذاكرة الشعبية، ولا تخلو في ذات الوقت من خيال حرّ يتقاطع مع المفاهيم والأفكار والرؤى الذاتية.
ولا شك أن شهر رمضان يمنح الفنان فضاءات تأملية للإنصات إلى صوت الداخل، والانتباه لطاقة الاستبصار التي يستثمرها الفنان المحلّي للتواصل مع الحنين الجمعي بأصدائه الماثلة فيه، والمغرية في ذات الوقت لنداءات الطفولة والأزمنة المتسرّبة من قبضة الحاضر.
وفي حوارنا مع الدكتور محمد يوسف حول التأثيرات المباشرة والأخرى الضمنية لشهر رمضان على أعماله الفنية وتصوراته ومشاريعه المستقبلية، أوضح أن أهم مساحة يمنحها له الشهر الفضيل، هي المساحة الجامعة بين التفكير والمراجعة والبحث، والتي تتيح له فرصة ذهبية للتحضير والاستعداد، واصفاً ليالي رمضان بالمنصات الروحية المضيئة على مشاريعه الفنية القادمة، حيث يستلهم منها ملامح وهوية معرضه الشخصي خلال المرحلة المقبلة، مضيفاً أنه وضع من الآن عنواناً لمعرضه القادم وهو: «الدخول إلى الداخل» بعد أن أقام معرضاً قبل سنوات بعنوان: «الخروج إلى الداخل».

  • من أعمال محمد يوسف (من المصدر)

وعن الطقوس الفنية التي يمارسها في شهر رمضان، أوضح يوسف أنه يقوم بمصادقة أدواته وخاماته من جديد، وتهيئة نفسه للعمل اليدوي المقبل، وتحضير «اسكتشات» ورسومات أوليّة تتعلق بعناصر ومكونات معرضه القادم، بما يتضمنه من منحوتات خشبية وأعمال ثلاثية الأبعاد، بحيث تعبّر هذه الأعمال عن إشارات تنطلق من «المنظور» للوصول إلى ما هو خارج نطاق هذا «المنظور»، والاشتباك بالتالي مع خيالات المتلقي، وإقامة حوار افتراضي بينه وبين العمل الفني.
وحول ذكرياته الشخصية مع شهر رمضان، خصوصاً في فترة الطفولة وما بعدها، قال يوسف إن الفترة التي عاشها في طفولته كانت فترة صعبة، لأنها ارتبطت بالسفر خارج البلاد، عندما أقام مع عائلته في دولة الكويت، وسط ظروف صعبة، مضيفاً أن شهر رمضان كان يخفف من وطأة الغربة بسبب التعاضد الاجتماعي والتواصل بين الناس، وكذلك بسبب كثافة الأجواء الروحانية في رمضان، وهيمنة الطابع الكرنفالي الشعبي الذي تذوب فيه الفوارق والاختلافات بين الأهالي. 
وعن انعكاسات العناصر التراثية المرتبطة بشهر رمضان في أعماله الفنية بعد فترة النضوح الفكري وبعد الدراسة الأكاديمية، أوضح يوسف أنه ترجم هذه الانعكاسات في فترة دراسته بالولايات المتحدة من خلال التركيز على مفهوم «التناظر»، حيث وجد أن ذكريات الطفولة ومكونات البيئة يمكن أن تخلق فضاءً رحباً للعناصر البصرية المتشابهة في العالم، وضرب مثالاً للتناظر البصري بين الطائرة الورقية في الجوّ، وبين حركة وشكل سمكة اللخمة وسط البحر، وكذلك بين حركة الإبل وسط رمال الصحراء وحركة السفن وسط أمواج الأزرق الكبير، مضيفاً أن هذا التداخل بين مكونات البيئة المختلفة دفعه لتوثيقها فنياً من خلال أعماله ومعارضه اللاحقة، وكان لها دور مهم في تحقيق هويته الفنية المستقلة.