فاطمة عطفة (أبوظبي)

تمتاز أيام شهر رمضان المبارك بما تحمله من وقار ومحبة والتزام بالقيم الروحية في المجتمع، ولكن يبقى للخطاط عالمه الخاص حيث تتحرك ريشته وتستلهم ما يشعر به في هذا الشهر الكريم، وفي لقاء لـ «الاتحاد» مع الفنان محمد مندي نستكشف أشياء جديدة من يومياته في الشهر الفضيل، حيث يقول: بعض الخطاطين يتحلّون بالرؤية العميقة لشهر رمضان واستخلاص المعاني الروحانية من آيات القرآن الكريم، وأنا من طبعي أن أقرأ كل يوم جزءاً من القرآن، وقد أزيده بجزء ثانٍ.
ويضيف مندي، قائلاً: الخطاط المبدع دائماً ينظر لشكل الحروف وتكرار بعض الكلمات أحياناً، كما ينظر لعدد الكلمات والحروف وما هي الحروف المتشابهة ليطلع بفكرة جديدة يستطيع أن يعبر بها عن معنى الآية أو العبارة.
أما عن استقبال الفنان مندي لرمضان، فيؤكد أنه يجهز أقلامه وأحباره قبل أيام ليرحب بالشهر الفضيل بالآيات مثل «شهرُ رمضانَ الّذي أُنزِلَ فيه القرآنُ»، أو بتحية الناس مثل «رمضان كريم، عساكم من عواده»، وغيرها: وفي كل يوم وقبل صلاة الفجر، أرحب برمضان بخط «الله الرحمن الرحيم»، لأن لفظ الجلالة مع أسماء الله الحسنى الـ 99 أقسمها على 30 يوماً، مثل «الله الرحمن الرحيم»، أو «الملك القدوس السلام»، كل ليلة ثلاث كلمات من أسماء الله، وأخطها في تصميمات حروف مختلفة وأنشرها، للتواصل مع الناس ليعرفوا أن الخطاط لا يرسم فقط ليبيع، وليس الخط تجارة بل هو روحانيات.

  • من إبداعات محمد مندي

أما عن أجواء رمضان العائلية قديماً وحديثاً، فبدأ بالترحم على والديه قائلاً: كانوا البهجة والنور، كانا السعادة وتخفيف أعباء الصوم والإكثار من العبادة، وحضورهما كان بركة، وما في الحياة أطيب من الطعام الذي تطبخه الوالدة، ولما كانت تعمل الطبخ أشعر بالنكهة الزكية والرائحة الطيبة. محبة الأم لأبنائها ومحبتهم لها تضفي أجواء روحانية على البيت وكل من فيه، مع تلذذ في الطعام المطبوخ بيدها، إنه لشيء مختلف، والآن نترحم على الوالدين ونتصدق عنهم بالوجبات اليومية وتبقى روحاهما بركة لنا.
وعن العادات القديمة في رمضان أشار مندي إلى أن رائحة الأكل في البيوت كانت لها نكهة مختلفة عن اليوم، عندما كنا نصعد إلى سطح البيت نشتم رائحة أكل الجيران، ونتبادل معهم وجبات الإفطار، وهذا كله افتقدناه بسبب توسع المدن. كما كانت السهرات في منتصف رمضان بين الأهل والأصدقاء في أيام «الليالي البيض» يوم 15 يكون منتصف الشهر العربي والقمر بدر، وتكون فيه روحانيات السمر والسهر حتى الصباح.
وحول الإنتاج الفني في شهر رمضان من رسوم الخط، قال إنه يتابع المسلسلات الدينية والبحثية عن الصيام وفائدته، لأن رمضان ليس صوماً فقط، بل فرصة لتنظيم وجبات الطعام والشراب والتعبد والبحث في الكتب.
وأشار مندي إلى أهمية الألوان في فن الخط، مبيناً أن فيه لون الشروق ولون الغروب ونور القمر، فكل شيء في الطبيعة له لون أو ألوان، ويقول الله تعالى «أفلا تتفكرون». 
وتابع مندي أن للورد ألواناً وعطراً، فعندما يرسم وردة يرش على الرسمة العطر، موضحاً: عندما أنجزت لوحة «الشهيد» بحثت عن المسك والزعفران ووضعتهما في اللوحة على الكنفاس، ثم قمت برسم الحروف عليها حتى تحمل اللوحة عطر الشهيد الوطن، مختتماً أن على الفنان أن يتمعن في كل شيء من حوله، خاصة الطبيعة فهي ثروة الفنان الحقيقية.