أبوظبي (الاتحاد)

أصدر مشروع «كلمة» للترجمة في مركز أبوظبي للغة العربية التابع لدائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي، الترجمة العربية لرواية «إله الأحياء» للأديبة الإيطاليّة غراتسيا ديليدّا، وقد نقلها إلى العربية معاوية عبد المجيد، وراجع الترجمة الدكتور عز الدين عناية.
صدرت رواية «إله الأحياء» عام 1922 وتأتي أهمّيّتها من رصد التغيّر الذي يطرأ على شخصيّة زيبيديو في طوايا نفسه، وتصوير الصراع الباطنيّ ما بين الجشع وصحوة الضمير، حيث يتعرّض بطل الرواية لإشاراتٍ غامضةٍ يجدر به التقاطها وإدراكها ليتحوّل إلى فعل الخير الذي خُلِقنا من أجله. لذا تتحرّك الرواية على الخطّ الرفيع الذي يفصل ما بين العقلانيّة والإيحاء، وما بين العلم والإيمان. إلّا أنّ ديليدّا، بذكائها المعهود، لا تكشف عن موقفها، إنّما ترغم القارئَ على إرجاء أحكامه، وتمنحه فرصةً ليشكّ بالنهاية التي ستفضي إليها الشخصيّات، والتي تفتح تساؤلات جديدة بدورها.
فضلًا عن أنّ الرواية ترسم معالم المجتمع الريفيّ في جزيرة سردينيا، فهي تصوِّر العائلة من الداخل وتبرز منزلة كلّ فردٍ فيها وتأثُّره بمحيطه في اتّخاذ قرارٍ مّا أو في رؤيته لحدثٍ مّا، كما إنّ الكاتبة تعرِّج على تجذُّر الخرافة في ذلك المجتمع، وتصادم العلم والمنطق فيها وما ينجم عن ذلك من حيرةٍ وتردُّدٍ في حسم الموقف، في حين يبقى الإيمان الحقيقيّ ساميًا متعاليًا على البلوى والاتّقاء منها بتلك الأشكال المتخلّفة. من جهةٍ أخرى، ينال المكان في الرواية حصّةً كبرى من التأمُّل والتفصيل: الطبيعة في أدب ديليدّا جوهريّةٌ وأساسيّة، ولا بدّ من توصيفها بدقّةٍ شديدة: فمن المراعي إلى الحقول، مرورًا بالمروج والأنهار، تحكي لنا ديليدّا عن لوحةٍ زاخرة بالأزهار والنباتات والألوان والطيور والعناكب والأشجار وإلى ما تجود الطبيعة به على سكّان تلك الجزيرة، ووصولًا إلى البحر الذي يعطي للجزيرة فرادتها، وهو الذي يداوي العلل، وهو المكان الساحر الذي يحدّ اليابسة، هناك حيث يتكوّن عمقه من صفوة الأساطير التي تعالج الهذيان.اهتمّت ديليدّا بمعالجة ثيماتٍ أدبيّة كبرى في حكاياتها، فهي تركّز على أخلاق المجتمع الأبويّ في جزيرة سردينيا وما يتمحور حولها من عواطف مكثّفة وحادّة. كما تطرّقت إلى موضوعة القدر، والخطيئة والذنب، والخير والشرّ، وبرز إحساسها الدينيّ جليًّا في رسم مسارات بعضٍ من شخصيّاتها التي تختار خطورة الإيمان وولوج اللغز الإلهيّ على أن تظلّ مثقلةً بالحسرة والندم ممّا ارتكبته من آثام. أمّا من حيث الأسلوب فهو متنوّع بفضل التباين في المدارس السرديّة التي انتهجتها الكاتبة والتأثُّرات الفكريّة التي عملت على صقلها. وعلى الرغم من استنادها الراسخ إلى بيئة سردينيا وطقوسها وثقافتها فقد سعت جاهدةً إلى جعل الجزيرة مكانًا أسطوريًّا وأرضًا بلا زمن ومجالًا أنثروبولوجيًّا يطرح مسائل الوجود ويتعمّق فيها.
يذكر أن غراتسيا ديليدا (1871-1936)، قد ولدت في جزيرة سردينيا، وباتت تُعرَف بناقلة العالم الساردينيّ إلى دنيا الأدب، وقد حصدت جائزة نوبل للآداب عام 1926 «بفضل مقدرتها على الكتابة، واستنادها إلى مثاليّاتٍ سامية، والتقاط أشكالٍ فنيّةٍ للحياة في الجزيرة المعزولة مسقط رأسها، ومعالجتها العميقة والدافئة لإشكاليّاتٍ تهمّ البشريّة عامّةً».