فاطمة عطفة (أبوظبي)

ضمن فعاليات دورته التاسعة عشرة تحت شعار «فكر الإمارات: ريادة إبداع - حرفية إنجاز - بناء حضارة»، استضاف مهرجان أبوظبي في معرض «إمارات الرؤى 2.. سردٌ ووعدٌ» بمسرح منارة السعديات، ندوة حوارية بمناسبة اليوم العالمي للغة الأم، سلطت الضوء على أهمية اللغة في إبراز الهوية الثقافية، وتوصيل الأفكار والتعبير عن المشاعر.

علاقة جوهرية
ناقشت الندوة، التي أدارتها كورين ستوكس، محاضر أول مادة اللغة العربية في جامعة نيويورك أبوظبي، العلاقة الجوهرية بين اللغة والخط والفن، والهوية الثقافية، وقدرتها الرمزية والإيمائية على تحقيق التواصل مع الآخرين، حيث رأت هدى إبراهيم الخميس، مؤسس مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون والمؤسس والمدير الفني لمهرجان أبوظبي، أنّ الندوة الحوارية تأتي احتفاءً باليوم الدولي للغة الأم، وتقديراً للغتِنا العربية لغة الإعجاز التي خطّت إرث بلاد وصنعت سيرة حضارة. وقالت: «خمسون عاماً من عمر دولتنا شهِدْنا خلالها تنظيم أعرق معارض الكتب، وأهمِّ الملتقيات الثقافية والندوات الحوارية، وأبرز أمسيات الشعر وورش الكتابة والقصة والنثر، واستمتعنا ببهاء الشعر العربي الفصيح والنبطي، برعايةٍ كريمة من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، عبر برنامَجَيْ (أمير الشعراء) و(شاعر المليون)».
وتابعت «طوال خمسٍ وعشرين سنة منذُ تأسيس مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون، آمنّا بثلاثية الفن والموسيقى والكلمة، فعقدْنا شراكات التأليف والنشر مع اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات ودور النشر الإماراتية، وأصدرنا أمهات الكتب والمؤلَّفات، وأطلقنا رواق الفكر ورواق الأدب والكتاب، ركيزَتَيْن للمعرفة فكراً ونشراً وأدباً، كل هذا بحضور عالمي في أكبر المسارح بالكلمة والموسيقى، ومنها الأمسية التاريخية للمرة الأولى في كارنيغي هول نيويورك، في اليوم العالمي للغة العربية، بالتعاون مع الأمم المتحدة».

بيت الكينونة
من جهته، طرح الدكتور علي بن تميم، رئيس مركز أبوظبي للغة العربية، أمين عام جائزة الشيخ زايد للكتاب، في مداخلته، سؤال اللغة الأم أم لغة الأم؟ منذ هيرودوت أبي التاريخ وصولاً إلى الشعراء العرب منذ الجاهلية، منتقلاً إلى العلاقة الأقرب بين اللغة والأم ولسانها الأول، كما في شهادة جوليا كريستيفا، متوقفاً عند أبي الطيب المتنبي الذي أكسب اللغة العربية ميزتها منذ تلميحه بشوقه إلى جدته التي كاتبها شعراً في قصيدة نجوى وألم وبكائية دامية، وهي التي اكتسب منها مخزونه اللغوي وعوالم العربية الفارعة، ذاكراً قصيدة درويش في الحنين إلى أمه، ومستشهداً بتعريف محمود درويش للغة، واعتبر أن اللغة وجه من أوجه السلام بين أهل الأرض.
وقال ابن تميم: «اللغة بيت الكينونة، ولا تعزو إلى رؤية أحادية بل تعددية غير جامدة، وإلا فستكون مهددة بالانقراض والتلاشي، إذ إنّ فكرة الهوية بالنسبة للمغفور له الشيخ زايد، طيب الله ثراه، فكرة تعددية متفاعلة تقوم على المثاقفة، تحترم الإنسان في لغته وثقافته ومعتقده».

دلالة ذكية
وأشار سلطان العميمي، رئيس مجلس إدارة اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات، مدير أكاديمية الشعر، إلى أنّ الحديث عن اللغة يثير تنازعاً داخلياً لديه بين جانب أكاديمي وجانب ذاتي وجداني، فمن يتعمق في لغته الأم يكتشف ما لا يراه الآخر. وأضاف: «يحمل عنوان الندوة دلالة ذكية إلى ارتباط كل الحضارات بلغاتها الأم، وهنا لا بد من الإشارة إلى علاقة اللغة باللسان العربي على اختلاف لهجاته»، مؤكداً أهمية المصطلحات التي سادت للتفريق بين إتقان اللغات وفصاحتها وعجمتها وتنوع اللغات بين عربية وفارسية وقبطية وسواحيلية وغيرها. وقال العميمي «كلما رجعنا إلى أحافيرنا اللغوية نكتشف جسوراً مشتركة تقرب اللغات من بعضها البعض، وتعكس التواصل الحضاري بيننا وبين العالم».

بين الخط والهوية
ضمن ندوة حوارية بمناسبة اليوم العالمي للغة الأم، نظمها مهرجان أبوظبي في معرض «إمارات الرؤى 2.. سردٌ ووعدٌ» بمسرح منارة السعديات، تناول تاج السر حسن، الخطاط والفنان التشكيلي علاقة الخط والفن التشكيلي بشكل عام باللغة والهوية، خاصة مع انتشار الإسلام قبل ألف وأربعمائة سنة، حيث تطور الخط العربي عبر صفحات المصاحف، وجرى تفعيل الاهتمام بجماليات الكتابة والخط واللغة، تتويجاً لمرحلة سابقة امتدت طوال العصر الجاهلي، مطالباً بضرورة الانتباه إلى تحديات الرقمنة والذكاء الاصطناعي مع تأكيده على استمرار مكانة اللغة العربية وتزايد المتحدثين بها، معتبراً أن في الأبجدية العربية إعجازاً جمالياً بتنوع الخطوط من الكوفي والنسخ والديواني وغيرها، وكلها مبنية على الحروف العربية الثمانية والعشرين.