محمود إسماعيل بدر (أبوظبي)
تقدّر منظمة «اليونسكو» اللّغات الإنسانية التي انقرضت تماما في القرن العشرين، بنحو 300 لغة، والمشكلة أنّ هذا الرّقم سيبدو بسيطا إزاء الرّقم الصّاعق الذي قدّرته المنظمة للانقراض حتى عام 2025 وهو 3000 لغة، من بين ما مجموعه 7 آلاف لغة محكية، ووصفت «اليونسكو» هذا الأمر بأنّه«كارثة حضارية ثقافية»، فيما يذهب بعض علماء التّنوّع اللغوي إلى المطالبة بزيادة الاهتمام باللغات الأم وحمايتها، وربما لهذا وغيره من القضايا ذات الصلة باللغات الأصلية أقرت «اليونسكو» عام 1999 يوما دوليا للغة الأم، ليبدأ العالم أجمع الاحتفاء به اعتبارا من العام 2000، واليوم ونحن نحتفل بهذه المناسبة نستحضر دور الإمارات النّوعي في صون وحماية اللغة العربية، والمحافظة على هويتها وشخصيتها المنفردة، وتعزيز مكانتها عالميا، لتشكّل نموذجا عربيا أصيلا، في تطوير منظومة مسارات لغة الضّاد، ويظهر ذلك جليا من خلال المبادرات الفاعلة للدولة بفضل اهتمام ووعي القيادة الرشيدة لرسالتها كأحد المرتكزات الرئيسية للعلم والمعرفة والتواصل مع لغات وثقافات العالم.
جهود الإمارات وقيادتها الرّشيدة من أجل نهضة لغة الضّاد ورفعتها بين اللّغات، تتجلى منذ نشأة الاتحاد حيث تبنّت استراتيجية وطنية لجعل العربية ضمن أولوياتها الرئيسية، باعتبارها رمزا للهوية الوطنية المعبّرة عن حضارة الدّولة، وتعكس خصوصيتها في شأن الفكر العالمي، وانسجاما مع شعار اليوم الدولي للغة الأم 2022، وهو«استخدام التكنولوجيا من أجل التعلم المتعدد اللغات – التحديات والفرص» نجد أن الإمارات كانت من الدول السّباقة التي نحت صوب هذا الاتجاه، ففي أكتوبر 2018 أطلقت مبادرة «مدرسة»، وهي منصة تعليمية إلكترونية باللغة العربية، توفّر 5000 درس تعليمي بالفيديو في الرياضيات والعلوم والأحياء وغيرها لكافة الفصول، عبر تطبيق إلكتروني، ومتاحة مجانا لأكثر من 50 مليون طالب عربي.
ميثاق اللغة العربية
لعل أبرز المبادرات في سياق المحافظة على العربية الأم، ما يتمثل في ميثاق اللغة العربية، ليكون مرجعا لجميع السياسات والقوانين المتعلّقة بحماية اللغة العربية وتعزيز استخدامها في الحياة العامة، إلى تأسيس معهد لتعليم العربية لغير النّاطقين بها، بجامعة زايد، لتتعاون معه الجامعات المتخصصة حول العالم من خلال إيفاد الطلاب والبعثات لتعلم اللغة العربية في الإمارات، فضلا عن إطلاق معجم محمد بن راشد للغة العربية المعاصرة، ويرتبط في السياق إطلاق الدولة لسلسلة من المبادرات التي تصبّ في هذا الجانب، منها: تحدّي القراءة العربي، والتي تعكس مؤشرات القراءة في الوطن العربي إلى الأعلى، ثم مبادرة «بالعربي 2018»، التي يشجع محتواها على استخدامها فقط في جميع وسائط التواصل الاجتماعي، كما يعتبر مؤتمر اللغة العربية من أهم الأحداث التي تناقش مئات الأبحاث العلمية في مجال اللغة العربية، وتعدّ «جائزة محمد بن راشد آل مكتوم للغة العربية» مسبارا علميا ينطلق إلى فضاءاتها، لينجز ما يشغل الفكر العربي في العالم للارتقاء والازدهار بلغة القرآن، وتعتبر نتائج تقرير حالة اللغة العربية، من أبرز المبادرات التي رصدت تحديات لغة الضّاد حول العالم، لا سيما وأنّ التقرير جاء في ظلال منظومة تهدف إلى تعزيز مكانة اللغة العربية في الدّولة وتحقيق رؤية الإمارات، واعتبر التقرير حجر الأساس للأجندة الوطنية للغة العربية بأهدافها وأولوياتها المرتبطة مع مئوية الإمارات، لغايات جعل هذه اللغة مركزا للامتياز في لغتنا باعتبارها أداة لتعزيز ثوابت الهوية الوطنية لدى أجيال المستقبل، وجاءت مبادرة «لغتي» برعاية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، لتعلّم العربية في مدارس الشارقة، استكمالا لمبادرة دعم التعليم باللغة العربية والتعلّم بها بوسائل وبرامج عصرية، ثم إطلاق الإمارات لعام القراءة تحت مظلة الاستراتيجية الوطنية للقراءة (2016 – 2026) لتفعيل السياسة الوطنية للقراءة، وإنشاء الصندوق الوطني لدعم القراءة بقيمة 100 مليون درهم.
تطوير وتحديث
جاء تأسيس «مركز أبوظبي للغة العربية» 2020، في دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي، ليكون داعما رئيسيا لخطط دعم هذه اللغة، ووضع الاستراتيجيات العامة لتطويرها والنّهوض بها، وإيجاد حلول للتحديات التي تواجهها، وقدّم المركز منذ إنشائه عديد المبادرات والمشاريع، من بينها مشروع «مئة كتاب وكتاب» الهادف إلى وضع قوائم موثقة ومعتمدة للكتب العربية التي أثرت الثقافة العالمية ومثّلت إضافة إلى المعرفة الإنسانية. وانطلاق النّسخة الأولى من «قمّة اللغة العربية» التي احتضنها «إكسبو 2020 دبي» في ديسمبر 2021، تحت شعار «حوار المجتمعات وتواصل الحضارات»، وقد شهدت أعمال القمّة التي نظمت بجهود مركز أبوظبي للغة العربية بشراكة مع وزارة الثقافة والشباب، التوقيع على إعلان الإمارات للغة العربية، بحضور وزراء الثقافة العرب.
رسالة الإمارات نحو دعم اللغة العربية، لها خصوصيتها، كونها تكرّس مفهوما معاصرا نحو أنسنة هذه اللغة باعتبارها أحد مقومات وجود الأمة وطرق الدفاع عن كينونتها، وهي إحدى اللغات العالمية السّت المعترف بها من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، لهذا تكرّس لها المبادرات والمشاريع الثقافية المنفردة، وهي كثيرة، ومنها: إنشاء مجمع اللغة العربية في الشارقة 2016، وإطلاق مشروع الأجزاء الـ 17 من المعجم التاريخي للغة العربية، وغيرها الكثير ما يؤكد جهود الإمارات الرائدة في حماية اللغة العربية وتعزيز مكانتها ودورها.