فاطمة عطفة

بقدر ما تستلهم فنون الإبداع، من أدب ومسرح وتشكيل وموسيقى، أعمالها من الواقع، فهي أيضاً حنين ونوستالجيا تستحضر الذاكرة وتحتفي بالتراث وتقاليد الآباء والأجداد، من معاصرين وقدماء، ولعل هذا ما يؤكده الآن معرض «زمنَّا» في جزيرة السعديات. وضمن زيارة للمعرض واستقراء لجوانب من أعماله، التقت «الاتحاد» المقيمة الفنية منيرة الصايغ لتحدثنا عن أهمية العودة إلى تجارب الماضي، فتقول: لنرجع إلى أساس البنيان الذي نحن فيه في الوقت الحاضر، فعقد التسعينيات كان له طابعه المميز، ودخلت عندنا في الإمارات العديد من الثقافات، والتنوع الذي عرفه المجتمع، إضافة إلى بدايات التوسع في استخدام الكثير من صور التكنولوجيا في مجال العمل. والمعرض اليوم نرى فيه ملامح من ذلك الماضي من منظور تجارب شخصية، فضلاً عن تجربة عامة في سياق اتساع دور وحضور الدولة في الساحة العالمية، وما عرفته من ازدهار وتنمية شاملة في المجالات كافة.

  • منيرة الصايغ

وتشير الفنانة منيرة الصايغ إلى الكيفية التي استطاع بها الفنانون تجسيد أعمالهم من ذاكرة الماضي، قائلة: كقيّمة في المعرض وكإنسانة تربيت في زمن التسعينيات، بدأت أبحث مع الفنانين الموجودين، وبقينا شهوراً نناقش أفكارهم ونراجعها؛ لأن فكرة الأرشيف مهمة جداً كذاكرة مهمة في وعي العائلات والناس، ولم يكن البحث رسمياً بل كان في الغالب شخصياً، مثل عمل الفنان شري والغرف التي أقامها حيث درس تجربة والديه، وهما من الهند، حيث تظهر أعماله مجيء أهله كوافدين إلى الإمارات في التسعينيات وهي تجربة مهمة جداً، سواء بشكل عام أو في سياق فكري. وكذلك الفنانة ميس البيك تعالج هي أيضاً الموضوع نفسه، وتعبر عنه من زاوية تجربة الوافدين العرب الذين جاؤوا إلى الإمارات في ذلك الوقت، وما أسسه الأهل، حيث تظهر ملامح من تلك الفترة الزمنية وتأثيرها، كتجارب ملهمة، حتى الوقت الحاضر.
وحول شعور الفنانة الصايغ بإنجاز هذا المعرض المهم، قالت إنها سعيدة به للغاية، خاصة بعد أن تم التنسيق لإنجازه مع منصة دروازة التجريبية للفنون ومع فريق من منارة السعديات والفنانين المشاركين بأعمالهم الفنية.

وأضافت: استطعنا أن ننسق ونحقق معرضاً مهمّاً يجذب كل من يزوره ويستمتع به، وهو معرض يحمل عمقاً كبيراً حيث تُظهر الأشياء المعروضة ملامح من حياة المجتمع في التسعينيات، وتشير إلى مرحلة التأسيس لما نحن فيه. وتمنت أن يكون معرضاً متنقلاً لأن التسعينيات وقت مهم وأساسي للجميع. وإذا أخذنا المعرض خارج الإمارات يمكن أن نجد أيضاً ثقافات أخرى تتشابه مع ثقافتنا أو العكس، وهذا يؤدي لحوار بين الثقافات. وأكدت أهمية عمل ميثاء الشامسي وغادة الصايغ لأنه قريب من ذكريات طفولتها في التسعينيات، ودخول الألعاب الموجودة بالعالم إلى الإمارات، ودور التكنولوجيا في اللعب عند الأطفال، وأشارت إلى غرفتين من تصميم الفنانتين الصايغ والشامسي تمثلان أشياء من طفولتها.

نقلة نوعية
وتحدثنا أيضاً إلى الفنانة آلاء إدريس عن عملها، وما في الغرفة من أدوات قديمة فقالت: هذا عمل فني يتحدث عن عقد التسعينيات، وانطباعاتي عن تلك الفترة، لأنها عرفت نقلة نوعية في الحياة الاجتماعية، وفي عادات الناس وطريقة تلقيهم للمعلومات عن طريق التلفزيون المرتبط بالدش، حيث كان التلفزيون عنصراً مهماً في كل بيت للاطلاع على ما يحدث في الوطن وفي العالم.

  • آلاء إدريس

وأكدت آلاء إدريس أن حصولها على تلفزيون قديم لم يكن بالأمر السهل، وللأسف فمعظم الناس لا يحتفظون بالأشياء القديمة، وقد حصلت على هذا الجهاز القديم من شخص بريطاني من عادته أن يحتفظ بالأشياء القديمة. وأكدت أنها نشأت في التسعينيات، التي جرت فيها أحداث مهمة أسهمت في تشكل طريقة تفكيرها، وحاولت أن تظهر هذا الشيء من خلال مقاطع الفيديو، موضحة أن العمل عبارة عن تلفزيونين: واحد يمثل المشاهد الذي يرمز للناس المتلقين، والتلفزيون الثاني يظهر بعض الأحداث المهمة والأغاني المشهورة التي كانت رائجة في التسعينيات، ومن تلك الأحداث المهمة القرية العالمية التي أُقيمت في دبي، وافتتاح كأس آسيا وكأس الخليج، وغير ذلك من أحداث مميزة، وكل الناس يشاركون فيها، وكثيرون ما زالوا يحفظون أغاني تلك الأيام. 

وأوضحت الفنانة إدريس أن «الدش» في بداية ظهوره كان مثل «الإنترنت» في بداياتها، وقد أحدث نقله نوعية، في طريقة تفكير الناس وكيفية انفتاحهم على العالم. وعن العلاقة بين القديم والحديث أكدت أنه لولا وجود القديم فلن يكون للإنسان جديد، فالقديم دائماً يخبرنا عما هو حديث، ونصل بالمقارنة إلى مرحلة الحداثة عن طريق التجريب وتطوير الأفكار والأدوات، إضافة إلى أن الحنين للقديم يكون خاصة في مرحلة التطور، حيث يحصل حرص على عدم فقدان القديم، والناس يتمسكون بأشياء قديمة تذكر بالماضي وما فيه من عمق وثقافة.

فوالة العصر
وننتقل في هذا الحوار أيضاً إلى الفنانة عفراء الظاهري والغرفة التي بنتها لاحتواء تصاميم الركايات، أو القطع التي تعوم في الماء، وتخللتها رسومات تقليدية، كانت تشغّل على الركايات التي توضع في أطراف المجالس.

  • عفراء الظاهري

وتوضح الفنانة عفراء ملامح من عملها فتقول: في إعادة سرد قصص التسعينيات استعدت بعض ذكريات اللعب، ورجعت إلى أعمالي التي فيها حس اللعب والمرح، شيء يمكن يشاركنا فيه الناس، ولذلك رجعت إلى العمل الذي أنتجته في «إكسبو  2020» في استرجاع لموقف موجود في ذاكرة المجتمع واللعب «بالتكيت»، حيث كنا ونحن صغار نرتب الأوراق ونؤسس هذه المباني وهي لعبة مؤقته للطفل.
ففي عقد التسعينيات كنا كأطفال نبني بيوتاً لنلعب داخل البيت، بينما خارج البيت كانت المدينة تبني للمستقبل المباني الحديثة والأبراج، ولذلك أعدت صياغة التكية الإماراتية بطريقة حديثة، وفكرت بالطوافات التي نتدرب عليها في بدايات تعلم السباحة، كما نستعمل شكلها ركايات في المجلس «اتكي» وسميت العمل «فوالة العصر» حيث كثير من الناس من قبل عندما يعودون من الشغل يتكئون في البيت على الركاية في وقت القيلولة، مبينة أن العمل مستوحى من عدة مساند كانت قديماً موجودة في بيوت الأهل، وصممتها بشكل جديد مع قطع من البلاستيك المشغول بطريقة الضغط الحراري مع نقوش فنية على أطرافه الأربعة. أما الغرفة وفرشها فقد استوحتها الفنانة الظاهري من صالة بيت جدها بمدينة العين، وتضيف: وحتى الشبابيك والزخرفة على حواف الركايات تمت بالتعاون مع أمي فهي تدرس فن الرسم ومتخصصة في فنون العصور القديمة في فرنسا، وهذه القطع تمت بالتعاون مع أمي.

اللون الزهري
أما الفنانة غادة جاسم الصايغ والفنانة ميثاء سعيد، فقد بنت كل منهما غرفة تذكرها بطفولتها، حيث اللون الزهري المخصص لغرف الأطفال، مع التركيز على حبسات الشعر والشرائط التي يضفر بها شعر البنات الصغيرات، وبعض الألعاب وأشرطة الكاسيت، إضافة إلى أن باب الغرفة مزين بحبال من الخرز الملون. وقد تشابهت أعمال الفنانتين من حيث المواد التي استخدمتاها في المعرض لتذكر بالطفولة وتأثيرها على شخصية صاحبها، حيث توجد مثلاً صناديق باربي السحرية. 
وقالت الفنانة غادة الصايغ، إن الإلهام جاء من متجر ألعاب «تويز آرآص» وهو موجود في أبوظبي منذ التسعينيات، وكذلك من منطقة الترفيه «أكشن زون» مما يعيدنا مع الزمن للحنين إلى تجاربنا أيام الطفولة، من خلال هذا العمل التركيبي الذي تم إنجازه للمعرض، كما يوجد أيضاً مكان للاستراحة ولمشاهدة بعض الرسوم المتحركة التي تجذب وتلهم الأطفال.