محمد نجيم (الرباط)
تندرج التجربة الفنية للخطاط المغربي كمال عبد القادر ضمن التجارب المُؤسسة لفن الخط المغربي التي تنهل من عمق الثقافة المغربية وغنى إرثها التاريخي، فأعماله تفصح عن مخزون معرفي في مجال الخط العربي بخصوصية مغربية وتعبيرية صرفة تدل على مدى علو كعب هذا الفنان وأعماله التي يُطعّمها بألوان فاتحة يكثف فيها الرموز والإيقونات التراثية بأبعادها الروحية والصوفية، عبر لوحات كبيرة الحجم، تتيح لزائر معرضه الإبحار والانجذاب إلى القوة التعبيرية الكامنة في اللوحة، حيث الحرف السابح في اللون وشاعريته.
ففي معرضه الفني، ينشدُّ الزائر إلى عالم الفنان والخطاط كمال عبد القادر، هذا المبدع، الذي اعتمد الحرف كمفردة تشكيلية في لوحته مؤمن بتلك الطاقة وبما في بنية الحرف من تشكيلات جعلته يحاور هذا الفن ويوصله إلى المشاهد، فتجده أحياناً يبني تكوينه عليه وأحياناً يترك القراءة للكلمات، وأحياناً أخرى يغيبها على فرضية أن الحروفية مجال واسع البناء والتفكيك.
وقد اعتمد عبد القادر كتابة الحروف بالحبر عندما شكل أعماله الفنية مستخدماً كل التقنيات المبتكرة من ألوان زيتية ومائية وإكريليك، فبرزت لديه من نتائج صورة باهرة وجميلة في تشكيل الحروف والكلمات، بوصف الناقد الفني كمال مصطفى الذي قال إن حضور الألوان بدرجاتها وسحرها مظهرة عمقاً، وجمال الحرف كمفردة بصرية في التشكيل، وهنا كأننا نتحدث عن موسيقى الحروف، أقصد بها تلك الحركية التي تجعل من الحرف عنصراً متحركاً، حيث وظف كمال الحرف كعلامة خطية في أعماله بشكل مركزي مع تفجيره وتشذيره وتفتيته والانزياح به عن كل معنى، والتركيز على جماليته وجوهره وعمله الفلسفي والروحي، وكذا تعلقاته مع التيار التجريدي الغربي الذي اعتمده لتدعيم هذا الحرف وإبراز قوته في المنجز البصري، كما يمكن مقاربة أعمال عبد القادر من حقل ابستمولوجي آخر أي بنظرية التلقي التي تحدد القيمة الجمالية للفن بتحديد نوعية وشدة تأثيره على المتلقي، على فرضية أن العمل الفني دائماً موجه لمنطق معين، ولا يوجد لذاته.
ويوضح الناقد مصطفى كمال، أن إبداعات عبد القادر ليست بالعمل السهل ككل الذين تناولوا الخط سواء في تجريديته أو كأشكال أخرى من خلال استثماره للموروث التراثي، وكذا عدم تغيبه لتيارات التشكيلية الغربية، وبالخصوص تلك التي لها نقط التقاء مع الفنون الإسلامية، من هنا فإن أعماله نبض حروفي ينهل من التراث الحضاري المغربي والعربي، مستنداً على معايير صارمة لربط الحرف وموسيقاه باللغة التشكيلية لتمنح المتلقي لوحة جميلة، حيث التوظيف الجمالي والتناغم السحري بين الألوان والحروف.