فاطمة عطفة (أبوظبي)
تناولت جلسة نقاش افتراضية نظمها أمس صالون «الملتقى الأدبي»، كتاب «غرق الحضارات» للروائي والمفكر أمين معلوف، مع ضيفة الأمسية الإعلامية جيزيل خوري، واتفقت الآراء على أهمية ما تناوله معلوف في كتابه، وكان إهداؤه إلى «أبيه وأمه وإلى الأحلام الهشة التي ورثها عنهما» بمثابة مفتاح لما استعرض من أحداث عربية وعالمية في 320 صفحة.
ولأن اختيار الكتاب للقراءة جاء من قبل الإعلامية جيزيل، سألتها أسماء صديق المطوع، مؤسسة الملتقى، عن سبب الاختيار، فأوضحت أن معلوف كان في كتاباته الأخيرة يختصر الخلل في العالم وعدم توازنه، وهو يقول إن هناك شيئاً جميلاً انتهي وبدأ شيء لا نعرفه ولكنه يدعو للتساؤل والقلق. وفي رأيه، هناك انهيار حضاري في العالم، وعالمنا العربي فقد التنوع الثقافي الذي كان موجوداً بالمشرق العربي وفي مصر خاصة، مشيرة إلى أن انهيار المدن هو انهيار الحضارات، وهو انهيار لكل الأسس المدنية لدول تحمي القانون والتنوع والحريات، وهو في هذا الكتاب يوازي المدينة مع الازدهار الذي عرفته مصر ولبنان في فترة من الفترات.

  • جزيل خوري تتحدث في جلسة الملتقى

وفي مداخلتها أشارت جميلة خانجي إلى أن هذه الرواية ذات ألق تاريخي وثقافي وحضاري. وقالت: «استطاع الكاتب أن يكتب التاريخ بمزاج الموسوعي المحايد من خلال تجربة شخصية وقدرة على استعراض التاريخ والتجربة الإنسانية عبر القارات خلال قرن من الزمان، واستطاع أن يقدم الأحداث بفراسة وموضوعية عالية وخلص إلى نتائج مقنعة، بدءاً من مصر وهي قلب الأمة».
ويشير معلوف إلى أن ولادته كانت «في أحضان حضارة محتضرة»، موضحاً أنه لم يعرف المشرق في أوج عظمته، لأنه جاء بعد فوات الأوان. لكنه يتحدث بتقدير عن الأجواء الثقافية المزدهرة التي كانت تنعم بها القاهرة ومصر بشكل عام. وكان شاغله في شبابه حرمان والديه من النعيم الذي كانا فيه، والدته أبعدت من «فردوسها» في هليوبوليس في مصر، وأبوه فقد «فردوسه» اللبناني. وذلك بعد الصدام الدامي مع الإنجليز ونشوب حريق القاهرة وثورة يوليو 1952. ولما أمّم جمال عبد الناصر شركة القناة، وانتصر على العدوان الثلاثي، تم إخراج الأجانب من مصر. وكانت تلك الخطوة بداية طرد «المتمصرين» وإلغاء التنوع في الصحافة والتعدد في الأحزاب. ولم يفت معلوف أن يقارن إجراءات عبد الناصر بما فعله نيلسون مانديلا بعد خروجه من السجن، فلم ينتقم ممن سجنوه، ورأى أن من الأفضل استبقاء الأقلية البيضاء في البلاد.
وبقدر ما أظهر الكاتب أهمية عبد الناصر ومشروعه الوحدوي الذي انتهى بالإخفاق، أشار إلى الدور الاستعماري المدمر الذي مارسه تشرشل في سعيه لإسقاط حكومة الدكتور مصدق في إيران لأنه «طالب لشعبه بنصيب أكبر من عائدات النفط». وهو يوضح أن تلك المواقف الغربية المعادية للتحرر الوطني هي التي جلبت التعصب وظهور الحركات الدينية المتطرفة. وضرب المثل بأن طرد الملوك الكاثوليك للمسلمين واليهود غداة سقوط غرناطة جعل إسبانيا تتخلف خمسة قرون عن أوروبا، رغم غزوها لأميركا.
ويستعرض معلوف محطات مهمة من تاريخ العالم وتحولاته من أوضاع ديمقراطية تسودها أجواء ثقافية متنوعة، إلى أحوال ظلامية وصراعات بأسلحة فتاكة وعمليات انتحارية لا بد أن تؤدي بالعالم إلى ما يشبه غرق سفينة تايتنك والهلاك، لكنه يؤكد أنه لا يدعو إلى اليأس والإحباط، بل يشدد على أن الصحوة لا تزال ممكنة.