دبي (وام)
انطلقت أمس فعاليات المؤتمر العالمي للاقتصاد الإبداعي، الذي يقام تحت شعار «إبداع متكامل: يصنع المستقبل» في مركز دبي للمعارض - إكسبو 2020، ويستمر حتى 9 ديسمبر الجاري، ضمن سلسلة المؤتمرات والفعاليات التي تنظمها وزارة الثقافة والشباب في إكسبو 2020 دبي.
حضر الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، معالي نورة بنت محمد الكعبي وزيرة الثقافة والشباب، ومعالي أودري أزولاي المديرة العامة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونسكو»، ومعالي الشيخة مي بنت محمد آل خليفة رئيسة هيئة البحرين للثقافة والآثار، ومعالي ساندياغا صباح الدين وزيرة السياحة والاقتصاد الإبداعي في جمهورية إندونيسيا، ومعالي انجليكا ماريا وزيرة الثقافة في جمهورية كولومبيا، وشخصيات رفيعة المستوى تتحدث عن رؤيتها في استكشاف دور الاقتصاد الإبداعي في بناء مجتمعات مزدهرة ومترابطة.
يعد المؤتمر منصة للابتكار والإبداع لتبادل المعارف والأفكار والتحديات التي تواجه الاقتصاد الإبداعي، لا سيما في ظل الظروف التي فرضتها تداعيات أزمة «كوفيد-19» فضلاً عن مناقشة الاتجاهات والحلول الجديدة التي تضمن مستقبلاً أكثر إبداعاً واستدامة، وخلال كلمتها في الجلسة الافتتاحية رحبت معالي نورة بنت محمد الكعبي بجميع الحضور في دولة الإمارات معبرة عن فخرها بهذا الجمع في «إكسبو 2020 دبي»، أهم حدث ثقافي وحضاري على مستوى العالم.
وقالت معاليها: إننا في دولة الإمارات متحمسون ويشرفنا استضافة النسخة الثانية من المؤتمر العالمي للاقتصاد الإبداعي بعد إندونيسيا، إذ نؤكد على وعدنا للقطاع الثقافي والإبداعي والتزام قيادتنا الرشيدة برعاية وتنمية هذا القطاع الحيوي.
وأضافت معاليها أن ما شهدناه في افتتاح هذا المؤتمر اليوم يشعرنا بأننا قد تخطينا الوقت من هذه اللحظة في الماضي وإلى المستقبل، حيث لم يشغل ذهننا أمر في الماضي القريب مثل حاضر ومستقبل الاقتصاد الإبداعي، وكيف يمكننا تمكين دولة الإمارات العربية المتحدة تعزيز ريادة مجال ثقافي نابض بالحياة يسهم بشكل كبير في الاقتصاد المحلي والعالمي.
نظام بيئي إبداعي
وذكرت معالي نورة الكعبي أن أفكارنا حول هذا الأمر لا تقتصر على دولة الإمارات فحسب، بل تتخطى ذلك لتشمل جميع الدول الأخرى في منطقتنا وخارجها، فطالما اعتقدنا أن التعاون العالمي هو المفتاح لتحقيق الإمكانات الحقيقية للاقتصاد الإبداعي، مشيرة إلى إطلاق الإمارات مؤخرًا الاستراتيجية الوطنية العشرية للصناعات الثقافية والإبداعية ما يمثل أيضاً تحولاً في جهود وطموحات الدولة نحو نظام بيئي إبداعي أكثر استدامة تماشياً مع رؤية الإمارات للخمسين عاماً المقبلة، وبما يواكب تطلعات المؤتمر العالمي للاقتصاد الإبداعي الذي يعتبر بحد ذاته مميزاً لأنه يقام على هامش أحد أهم الأحداث الثقافية في العالم إكسبو 2020 دبي.
وأوضحت معاليها أن المؤتمر العالمي للاقتصاد الإبداعي يأتي في ختام السنة الدولية للاقتصاد الإبداعي من أجل التنمية المستدامة، وهو ما يمثل فرصة كبيرة للتفكير في وضع أطر واضحة للقطاع لما بعد جائحة «كورونا»، قائلة: «إننا في الإمارات عملنا على تقييم وضع قطاع الصناعات الإبداعية والثقافية خلال عام 2020 في ظل جائحة «كورونا» مثل جميع دول العالم حيث عدنا أقوى من أي وقت مضى ووضعنا الاقتصاد الإبداعي في مركز الصدارة في خططنا الاقتصادية».
وأشارت معاليها إلى أن هذا المؤتمر عقد في إندونيسيا في عام 2018، حيث حدد في دورته الافتتاحية سياقا لبناء نظام بيئي إبداعي نابض بالحياة، من خلال التركيز على التماسك الاجتماعي واللوائح والتسويق والتمويل، حيث تؤكد الإمارات على تبني هذه الرؤى حول الموضوعات لتعزيز الاقتصاد الإبداعي لما بعد الجائحة.
وقالت معاليها: إن العديد من دول العالم بما في ذلك الإمارات أثبتت قدرتها على الصمود في مواجهة التداعيات الاقتصادية والثقافية للجائحة، حيث وضعتنا الابتكارات التكنولوجية في مكانة جيدة خلال هذه الفترة الصعبة وهي نفسها نتائج الإبداع والابتكار البشري، موضحة أنه مع إغلاق العديد من البلدان حدودها بسبب الجائحة عانت الصناعات التقليدية لمواكبة متطلبات الاقتصاد من أجل البقاء، فيما استمرت الصناعات الثقافية والإبداعية في توسيع بصمتها والوصول إلى الخارج متجاوزة الحدود والحواجز الثقافية واللغوية.
شريان الحياة
وأشارت وزيرة الثقافة والشباب إلى أن الإبداع والثقافة والفن شريان الحياة للإنسانية، ومنحت الناس الأمل في مواجهة الجائحة، فيما أصبحت الحفلات الموسيقية والعروض والمعارض وحتى المتاحف حية بمحتوى رقمي ليختبرها الجميع ويستمتعوا بها، مشيرة إلى أن العالم الافتراضي أصبح بمثابة عامل مساواة رائع، وأظهر لنا أن الفن ليس فقط للنخبة حيث ساعدت التكنولوجيا في إضفاء الطابع الديمقراطي على الثقافة والفن، ومكنتهما من الوصول إلى جماهير أكبر.
وذكرت معاليها أن القطاع الثقافي والإبداعي أصبح صوتا للإنسانية وأعطى الأمل للعالم، حيث إن هذه المرونة والقدرة على التكيف هي التي جعلت الصناعات الثقافية والإبداعية تلفت انتباه العالم بأسره، وهذا المؤتمر ينعقد في عالم يستعيد عافيته نتيجة جائحة «كورونا»، ما يجعله أكثر أهمية لسردنا فيما يتعلق بالاقتصاد الإبداعي حيث نواصل مناقشة هذه المرونة على مدار أيام المؤتمر وإيجاد طرق للاستفادة منها، لجعل الصناعات الثقافية والإبداعية قطاعاً اجتماعياً واقتصادياً مزدهراً على مستوى العالم.
وقالت معاليها: إننا نسمع من خبراء الصناعة وقادة الفكر والوزراء والمشرعين وواضعي السياسات حول ما تغير من المؤتمر الأول إلى الآن، وكيف يمكن للمبدعين والمواهب الاستفادة من هذه الفرصة، بينما نعمل على بناء إطار اقتصادي شامل ومرن يسهم في ضمان الاستدامة طويلة الأجل للقطاعات الثقافية والإبداعية.
وأشارت معاليها إلى أن العلاقة بين الصناعات الثقافية والإبداعية وأهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة واضحة، وأن الاقتصاد الثقافي المزدهر هو أيضًا ضمانة لا جدال فيها للانتعاش والنمو الحضريين.
خلق المستقبل
ومن جانبها قالت معالي أودري أزولاي خلال كلمتها في الجلسة الافتتاحية: إن انعقاد المؤتمر العالمي للاقتصاد الإبداعي في إكسبو 2020 دبي، يوضح كيف يشجع الفن الناس ليجدوا مصادر إلهامهم، مشيرة إلى أنه في شهر يناير من هذا العام تم اكتشاف أقدم لوحة كهف في العالم بجزيرة سولاويزي بإندونيسيا يعود تاريخها إلى 45000 سنة إذ يؤكد هذا الاكتشاف حقيقة لا جدال فيها؛ أن الإبداع كان دائمًا شريان الحياة للبشرية حتى في أعماق الزمن، واليوم لا يزال الإبداع يتغلغل في المجتمع كما نراه بوضوح في إكسبو 2020 دبي.
وأضافت معاليها أن إكسبو 2020 دبي يعرض الإمكانات الهائلة للثقافة والصناعات الإبداعية لربط العقول وخلق المستقبل، حيث يُظهر الحدث العالمي كيف يمكن للفن «تشجيع الناس على إيجاد أصواتهم»، كما إن للثقافة والإبداع القدرة على الشفاء ونسج المجتمعات التي تمزقت، ونرى ذلك في مبادرة اليونسكو الرئيسية «لإحياء روح الموصل» والتي تساهم فيها دولة الإمارات العربية المتحدة كثيرًا، والتي يمكنك اكتشافها في جولة بـ«إكسبو 2020 دبي».
وذكرت معاليها «أن الثقافة تقدم أيضاً إجابات لبناء مستقبل أكثر استدامة، وقد رأينا ذلك في بينالي البندقية للعمارة، حيث حصل جناح الإمارات على جائزة الأسد الذهبي عن مشروعه المبتكر والبيئي ردًا على السؤال الأساسي: كيف نعيش معاً؟ ومع ذلك، لكي تدعمنا الثقافة والإبداع في بناء مجتمعات أقوى، نحتاج أيضاً إلى دعمهم، وهذا ما يجمعنا اليوم في هذا المؤتمر العالمي الذي ينعقد بمبادرة من الإمارات وإندونيسيا».
وقالت أزولاي: «إنني أود أن أثني على قيادة البلدين وأؤكد على دعم «اليونسكو» الكامل لاستراتيجياتهما الوطنية للاقتصاد الإبداعي»، موضحة أننا شهدنا تأثير جائحة «كورونا» على قطاع الثقافة، وتم إغلاق العديد من المؤسسات الإبداعية وفقد المبدعون دخولهم والقيمة المضافة للصناعات الثقافية والإبداعية، حيث خسر قطاع الصناعات الثقافية والإبداعية خلال جائحة كورونا نحو 250 مليار دولار وعشرين مليون وظيفة، ومع ذلك فإننا في أوقات الأزمات بالتحديد نحتاج إلى أن نكون قادرين على الاعتماد على قوة الثقافة والإبداع لتوحيد الناس وتعزيز المرونة.
وأضافت معاليها «أنه أوقات الأزمات برز أكثر من أي وقت مضى الدور الأساسي للثقافة في تماسك المجتمعات باعتبارها بُعدًا أساسيًا لإنسانيتنا، حيث نحتاج إلى اغتنام الفرص طويلة الأجل التي يوفرها قطاع الاقتصاد الإبداعي الذي عادة ما يتم التقليل من شأنه إلى حد كبير، والذي يوظف عدداً أكبر من الشباب أكثر من أي مجال آخر، لهذا السبب يجب أن تكون الثقافة في جوهر عملية وخطط التعافي المرتبطة بجائحة كورونا». وذكرت معاليها «لهذه الأسباب تلتزم اليونيسكو بوضع الثقافة على رأس جدول الأعمال الدولي، كما فعلنا من خلال اجتماعات وزراء الثقافة لمجموعة العشرين بالتعاون مع المملكة العربية السعودية وإيطاليا في العام الماضي، حيث إن هذه المشاركة الجماعية ضرورية إذا أردنا معالجة التحديات الهيكلية التي تؤثر على الثقافة والإبداع».
ثلاثة تحديات
وقالت أزولاي: «أود أن أتناول ثلاثة من هذه التحديات: الأول هو حماية المبدعين؛ لأن الأزمة سلطت الضوء على ضعفهم الكبير للاستماع إلى أصواتهم وإيجاد الحلول؛ ففي هذا الإطار جمعت اليونسكو المهنيين الثقافيين للمشاركة في سلسلة مناظرات في 110 دول حول العالم. وأضافت أنه على مدار الثمانية عشر شهرًا الماضية حددت هذه المناقشات السبل الرئيسة للعمل، والأفكار التي يجب الآن وضعها موضع التنفيذ، وإحدى هذه الأفكار التي تكررت كانت الحاجة إلى حماية مكانة الفنانين، لهذا السبب في يوليو أعادت اليونسكو إطلاق برنامج (Aschberg) الذي تم إنشاؤه قبل 65 عاماً لتحسين الحماية الاجتماعية والاقتصادية للمبدعين».
وأشارت إلى أنه من خلال هذا البرنامج سوف تتم دراسة تأثير السياسات العامة على الفنانين وسنرافق الحكومات والفاعلين الثقافيين أثناء عملهم على إنشاء أنظمة فعالة في هذا المجال، كون الحرية الفنية تسير جنبًا إلى جنب مع الاستقرار المهني، حيث إن حماية المبدعين مهمة بشكل خاص في البيئة الرقمية المتغيرة، وهذا هو التحدي الثاني الذي أرغب في مناقشته.
وأوضحت معاليها أن رقمنة الثقافة تخلق العديد من الفرص، كما يتضح من نجاح مسرح الفن الرقمي 10 في دبي وحول العالم، أو عن طريق المتحف الخليجي للفنون الذي أسسته إماراتيتان العام الماضي لعرض الأعمال الفنية عبر الإنترنت باستخدام التقنيات الرقمية، ومع ذلك فإن التكنولوجيا الرقمية تؤدي أيضاً إلى ظهور تحديات يجب مواجهتها لا سيما فيما يتعلق بالتوزيع، فيما تلعب المنصات الرقمية الآن دوراً حاسماً في توفير الوصول إلى الأعمال الإبداعية. وأضافت أزولاي «أنه يجب أن نتأكد من أن جميع البلدان والأصوات لها مكانها في عالم الإنترنت، وهذا يعني أيضاً منع الخوارزميات التي تحبسنا في فقاعات التصفية، بحيث تكون الإنترنت نافذة على العالم وليست مرآة.. هذه هي الرسالة التي ترسلها اليونسكو من خلال الشراكة مع (Netflix) لدعم صانعي الأفلام الأفارقة الشباب والترويج لعملهم».
وقالت معاليها: إن التحدي الثالث هو الحاجة إلى بيانات أفضل في قطاع تكون معالمه معقدة للغاية، حيث تعتبر البيانات الموثوقة والدقيقة ضرورية، وهذا هو السبب في أننا نجري دراسة عالمية مع دائرة الثقافة في أبوظبي لتقييم تأثير الجائحة على الثقافة والذي سيصدر في مارس من العام المقبل، مشيرة إلى أنه، بالنظر إلى ما بعد الجائحة، تعتبر البيانات ضرورية لفهم التحديات الهيكلية التي تواجه القطاع الثقافي، ولهذا السبب أصدرنا في مارس تقرير «النوع الاجتماعي والإبداع: التقدم على الهاوية»، وقد سلط الضوء على الحاجة الملحة لبيانات عالمية دقيقة لمحاربة القضايا الرئيسة مثل فجوة الأجور بين الجنسين أو نقص النساء في المناصب التنفيذية، فيما يمكن أن تساعد البيانات الصناعات الثقافية على تحقيق إمكاناتها الكاملة.
ونوهت معاليها إلى أن التقرير الذي نشرته «اليونسكو» عن السينما الأفريقية قبل شهرين سلط الضوء على سبل تنمية هذا القطاع، والتي يمكن أن تخلق 20 مليون فرصة عمل في القارة السمراء، ولكن لكي تكون موثوقاً بها يجب أن يحشد تحليل البيانات وجمعها جميع الجهات الفاعلة لإثراء الانعكاسات الجماعية.
يذكر أن المؤتمر العالمي للاقتصاد الإبداعي يهدف إلى تعزيز آفاق التعاون، ودعم الجهود الهادفة إلى صياغة السياسات المستقبلية للاقتصاد الإبداعي، بما يضمن تحقيق مفهوم التنمية المستدامة، ويسلط الضوء على مجموعة من الموضوعات المهمة كالتحول التكنولوجي ومستقبل الاستدامة الشمولية والتنوع.