سعد عبد الراضي (أبوظبي)

يقيم المجمع الثقافي على هامش مهرجان الحصن واحتفالات الدولة بالخمسين معرضاً تشكيلياً تحت عنوان (محمد شبعة.. الوعي البصري) يسلط الضوء على مسيرة الفنان المغربي محمد شبعة (1935-2013) صاحب الموهبة الرائدة في عصره، حيث أبدع نهجاً فنياً متعدد التخصصات، ونجح في تجسيد الصحوة الثقافية في المغرب في حقبة ما بعد الاستقلال. كما أنشأ مفهومه الاجتماعي للفنون بدافع من رغبته في ربط الفن بالعمارة والحرف اليدوية، ودمجها في المجتمع من خلال أعماله المتعددة كرسام لوحات وجداريات ونحات ومعلم ومصمم جرافيك ومصمم داخلي وناقد وكاتب.
بدأ اهتمام شبعة فنياً في سن مبكرة عندما التحق بقسم العمارة في وزارة الشباب والرياضة (المغرب) في عام 1956، ولكنه استطاع استيعاب روح مدرسة باوهاوس مي روما، بعد التعرف على عمارة عصر النهضة الإيطالية، والحركات الفنية والمجموعات العالمية الطليعية، وشهد محمد شبعة أيضاً تطور التيارات الفنية الرئيسية بعد الفنون التجريدية الأميركية التي يمثلها كل من جاكسون بولوك، ووبليم دي كوتالع، ومرائز كلاين، الذي أعجب بأعماله بشكل خاص لأنها متعلقة بما بعد الجماليات الخطية، هنا تمكن محمد شبعة من تحديد لغته الفنية الخاصة، وتمثلت رمزية تلك الفترة التي قضاها في روما في سلسلة من أعمال القماش، والتي تميزت بإظهار تضاد وبروز الألوان الأحادية، واستخدم محمد شبعة هذه الطريقة في الرسم للتحرر من الفن التصويري الاستعماري الصارم الذي فرض عليه خلال تدريبه الفني الأول في المغرب، لذا عبر عن أسلوبه الخاص في التصميم، وقد ساهمت هذه التجارب في تطويره لمفهوم (3A) الذي يعكس مدى رغبته في دمج الفن والحرف اليدوية، من خلال مفهوم الفنون الاجتماعية القائم على المساواة ومن الأمثلة البارزة على ذلك. ما قدمه بعد عودته إلى المغرب في المعرض الدولي في الدار البيضاء (1984)، وفندق جراند أوتيل ريستيا في مدينة المضيق (1965).

  • جانب من المعرض

إنجازات فنية كبيرة
قام شبعة في الفترة من عام 1970 إلى عام 1972 بتنفيذ واحدة من أقوى سلاسل «التكامل» للفنادق، بالتعاون مع استوديو الهندسة المعمارية فراوي ودي مازيريس. كما لجأ إلى استخدام الأسس البناءة للأشكال المصنوعة في قوالب وجماليات الخط الكوفي، والزخارف التجريدية، وفضلاً عن ذلك، نفذ شبعة العديد من المشروعات بتكليف من الشركة المغربية للملاحة البحرية (1968)، ومكتب التسويق والتصدير في المغرب في عام (1969)، وصالة مطار الرباط سلا الدولي (1969)، ومقر شركة الخطوط الجوية الملكية ماروك في بروكسل والدار البيضاء (1969)، وفندق المسيرة في وجدة (1970)، والمعرض الدولي في الدار البيضاء (1969)، والمكتب الوطني للكهرباء (1976).

التصميم التكاملي
افتتح شيعة في الفترة ما بين عامي 1968 19789 استوديو 400 (الذي أعاد تسميته باسم استوديو شاين مي عام 1974)، وهو استوديو خاص بالتصميم الداخلي وتصميم الجرافيك، والذي كان بمثابة مركز إبداعي مكنه من توسيع مشروعه الخاص باستخدام الفنون في الحياة اليومية. ويشتمل المجال الابتكاري للاستوديو على إعادة النظر في الحدود بين الفنون الجميلة والتطبيقية، واستمر تنظيم العمل داخل استوديو 400 في إطار ورشة تعاونية للديكور والفنون الجرافيكية في المدرسة العليا للفنون الجميلة في الدار البيضاء، ومنذ عام 1966، تعزز الترام شبعة الفردي من خلال الاعتماد على الاستراتيجيات الجماعية والتعاونية، والمتمثلة بجماعات متنوعة من الفنانين والدارسين، بما في ذلك «جماعة الدار البيضاء»، وكان لمجلة أنفاس دور فعال في حياة شبعة وزملائه الفنانين فيما يتعلق بتوحيد دور الفنون البصرية والشعر والعلوم الاجتماعية ثم غير شبعة، بصفته المدير الفني لمجلة أنفاس في الفترة بين 1969 19729، تصميم الهوية البصرية للمجلة بالكامل، حيث أضاف المزيد من الصور الفوتوغرافية التي تسلط الضوء على معاناة التحرر في المجال السياسي. وقام أيضا بتطوير الهوية البصرية للمجلات الثقافية الأخرى، مثل «الثقافة الجديدة (1974)، و«الإشارة»(1978)، وبصفته رئيس الرابطة الوطنية للفنون الجميلة من 1964 حلى 1965. بادر شبعة إلى تأسيس مسارات وأفكار فنية خاصة بالمجتمع المغربي.

  • أعمال الفنان محمد شبعة في المعرض

جماعة الدار البيضاء
نظم الثلاثي محمد شبعة وفريد بلكاهية، ومحمد مليحي عام 1966 معرض مانيفستو في ردهة مسرح محمد الخامس في مدينة الرباط. وقد مهدت هذه الفعالية لميلاد» جماعة الدار البيضاء «التي تمثلت منهجيتها في رفض المعايير الفنية الاستعمارية الموروثة من فترة الحماية الفرنسية على المغرب، والتي تطرق إليها شبعة في مقاله:«عن مفهوم اللوحة وعن اللغة التشكيلية»، وقد مهد هذا الحدث الطريق أمام الجميع للانضمام إلى مجلة أنفاس- مرحلة ما بعد الاستعمار، التي تأسست في العام نفسه، وعمل فيها محمد مليحي ومحمد شبعة في التصميم الجرافيكي، والتي أصبحت هذه المجلة المنصة الفكرية للفنانين والشعراء والكتاب في المغرب، انضم محمد شبعة إلى المدرسة العليا للفنون الجميلة في الدار البيضاء عام 1966، وابتكر برنامجاً تعليمياً ساهم على نطاق واسع في تحرير الفنون الشعبية المغربية/ الأفريقية من مدرسة الفنون الجميلة التقليدية الاستعمارية. وقام أيضاً بوضع نهج فني متعدد التخصصات في استوديو التصميم الداخلي والجرافيك في المدرسة، وبذلك حظي تصميم الملصقات والخط الحديث بأهمية كبيرة، ثم اتجه محمد مع زملائه من الفنانين إلى اعتماد الرموز المستمدة من الفنون الشعبية والحرف اليدوية المغربية، والمنسوجات والمجوهرات الأمازيغية.