الفاهم محمد

ثلاثة أحداث بارزة ميزت في الآونة الأخيرة علم الفضاء والكونيات. وقع الحدث الأول منذ سنتين عندما تمكن المسبار الأوروبي مارس إكسبريس من تسجيل وجود برك من الماء السائل تحت أرض المريخ.
الحدث الثاني كان خلال شهر أغسطس الماضي، عندما أفرجت وزارة الدفاع الأميركية عن ثلاثة فيديوهات، تم التقاطها بواسطة طائرات حربية ما بين 2004 و 2015 تظهر أجساماً طائرة مجهولة تتنقل بسرعة تتجاوز السرعات المعهودة لدينا.
أما الحدث الثالث، فقد جرى في متم شهر سبتمبر، ويتعلق الأمر باكتشاف غاز الفوسفين في الغلاف الجوي لكوكب الزهرة، وهو غاز لا ينتج على الأرض، إلا انطلاقاً من تفاعلات كيميائية حيوية. فهل معنى هذا أن الكوكب الحار جداً، يتضمن شكلاً ما من الحياة مسؤولة عن إطلاق هذا الغاز؟!
كل هذه الأحداث، تعود بنا إلى طرح السؤال الأساسي، بخصوص لغز وجود الحياة فوق الأرض، وهو: هل نحن لوحدنا في الكون؟
يدعم العلم بقوة وجود حيوات أخرى، وربما حضارات متطورة في الكون غير الحضارة البشرية، والحال أننا عندما نريد معاينة وجودها، نصاب بخيبة أمل.
هذه الوضعية المتناقضة، هي ما يصطلح عليه بمفارقة إنريكو فرمي، وهو عالم الفضاء الإيطالي الذي صرح خلال السبعينيات من القرن الماضي، مستغرباً في نقاش علمي مع زملائه، أن هذه الكائنات الفضائية كان ينبغي أن تكون موجودة معنا، ولكن أين هم؟
العديد من النظريات واللأطروحات حاولت جاهدة حل مفارقة فيرمي، والتي تسمى أيضاً بمفارقة الصمت العظيم. بعضها ينتمي إلى الثقافة الفلكلورية لليوفولوجي، بينما البعض الآخر يستند إلى خلفية علمية رصينة:
1 ـ فرضية المراقبة عن بُعد. تقول هذه النظرية بأن الحياة تعم أرجاء الكون، وأن الكائنات الفضائية تزور أرضنا من الفينة إلى الأخرى، لكنها تفضل عدم التدخل لأسباب ثقافية وحضارية. ذلك أن المسافة الهائلة التي تفصل التطور التكنولوجي الذي بلغته هذه الحضارات النجمية، عن الوضع الذي نوجد عليه، يجعل أي لقاء مباشر بينها وبين حضارتنا الأرضية المحدودة، يؤدي إلى دمار شامل لهذه الأخيرة.
2 ـ فرضية حقل التجارب الفضائية. عكس النظرية السابقة التي تضفي على هذه الظاهرة مسحة إنسانية، يمنح هذا الطرح للكائنات الفضائية المفترضة طابعاً شيطانياً. ترى هذه النظرية أن الكرة الأرضية برمتها ما هي إلا حقل تجارب تقوم به هذه الكائنات في الحديقة الخلفية للكون أي في الكرة الأرضية.
3 ـ فرضية رواد الفضاء القدماء: الفرضية الثالثة ساهم فيها العديد من الباحثين، نذكر منهم بالخصوص زكرياء زيتشين وإريك فون دانكين، وهي فرضية تقول بأن الكائنات الفضائية، دأبت على زيارة الأرض منذ قديم الزمان، وزيارتها هذه كانت من أجل دعم التجربة البشرية ومساعدتها على النهوض. أكبر دليل يقدمه هؤلاء هو ما يمكن أن نطلق عليه بالحجة الأركيولوجية، ومعناه أن هناك عبر العالم، العديد من الآثار على شكل مبانٍ ومنحوتات وأسوار وغيرها، تشهد بالملموس أن الإنسان، ما كان له أن يصل إلى إنجازها لولا هذه المساعدة الخارجية.
4 ـ فرضية زوار من المستقبل: فرضيات أخرى لا تقل غرابة عن سابقاتها، ترى أن الكائنات الفضائية، هي في الحقيقة بشر جاء من المستقبل لزيارة ماضي البشرية. كان أول من طرح هذه الفرضية هو مايكل ماسترز Michael Masters أستاذ الأنثروبولوجيا البيولوجية في جامعة مونتانا. يرى هذا الباحث أن التطور التكنولوجي سيصل مستقبلاً إلى مرحلة جد متطورة، ستجعل الإنسان قادراً على طي الفضاء الزمكاني والسفر إلى ماضي الجنس البشري.
5 ـ فرضية المصفاة الكبيرة: هي نظرية تم تقديمها سنة 1998 من قبل روبن هانسون، وهي تقوم على وجود مجموعة من الحواجز أو المصفاة الكبيرة Big Filter، التي تعوق ظهور حضارة فضائية وانتشارها في الكون. لقد مرت البشرية منذ ظهورها على الأرض من مصافي عديدة، بالكاد نجت منها، بدءاً من العصر الجليدي إلى الأوبئة والجوائح، ووصولاً إلى خطر الاحتراق النووي.... ليس من المستبعد إذن أن تكون مثل هذه المصافي قد حدثت، ليس فقط فوق الأرض، بل في كل كواكب الكون.
6 ـ فرضية الأرض النادرة: تسمى هذه الفرضية بالأرض النادرة rare earth لصاحبيها بيتر وود ودونالد برونلي، وهي تقول إن الظروف التي ساعدت على نشوء الحياة فوق الأرض، صعبة وجد معقدة؛ لذلك من النادر حدوثها في مكان آخر من الكون. فالحياة البسيطة، مثل البكتيريات قد تكون شائعة، أما الحياة المعقدة والواعية، فهي نادرة في الكون. وبالتالي فالجواب الذي تقدمه هذه النظرية حول مفارقة فيرمي واضح: أين هم؟ هم غير موجودين، نحن لوحدنا في الكون.
7 ـ الفرضية الكوانطية: تظل الفرضية العلمية المستندة على الفيزياء الكوانطية هي أقوى جواب يمكن تقديمه لحل هذه المعضلة. ترى هذه الفرضية باختصار شديد أننا نعيش في كون هو بمثابة فقاعة من بين العديد من الفقاعات أو الأكوان الموازية؛ لذلك لا غرابة أن كنا نرى هذه الظواهر غير المألوفة، لأنها قادمة من أبعاد أخرى من الكون. الموقف نفسه، يدافع عنه أيضا جان بيير بوتي Jean-Pierre Petit، عن إمكانية إنتاج طائرات دفع مغناطيسية هيدروديناميكية (MHD) لا تنتج ضجة وتفوق سرعتها سرعة الصوت، مما قد يفسر لنا الطريقة العجيبة التي تتحرك بها هذه الأطباق. كما دافع أيضاً عن النموذج الفلكي للكون والذي يسميه بالنموذج جانوس le modèle janus. هذا الإله الروماني الذي يملك رأساً بوجهين متقابلين، أحدهما ينظر للخلف والآخر للأمام، كذلك وبالمثل في نظر بوتي هناك جانب خفي في الكون من المحتمل جداً أن تكون فيه حياته الخاصة.
وكيفما كان الحال من منظور الزمن الكوني، يبدو أننا نحن بني البشر بالكاد وصلنا، فحضارتنا جد فتية، مما يعني أنه لا يزال أمامنا وقت طويل لاكتشاف ما يخفيه الكون الفسيح. هذا الكون الذي تفوق كواكبه كما قيل مجموع الحصوات الموجودة في كل شواطئ العالم.