لطيفة لبصير

يتغير الجمال من فترة لأخرى، ولكن الثابت هو أن الإنسان كان على الدوام مهووساً به، ومن الغريب أيضاً أن الجمال كان على الدوام مقترناً بجسد المرأة، كصورة نمطية. وعلى مدى التاريخ نجد تمظهرات مختلفة يتخذ فيها الجسد أشكالاً جديدة حسب معيار الجمال المحدد لفترة زمنية معينة؛ ولذا نجد هذا التأثير كامناً أيضاً في الثقافة الشعبية التي قد تعتبر مثلاً استقامة الجسد من علامات الجمال.
وقد عرف الجمال تحولات ربطته أيضاً بالأخلاق والطيبة، وغيرت مفاهيمه، وعملت على تنسيب العديد من المعايير الثابتة، وتبعاً لهذا التصور نجد أن الجمال الذي اعتبر صكاً للعبور إلى الزواج والحب والشعر قد عرف هو الآخر رؤية أخرى أخرجته من البنى الثابتة التي كانت تستعيد الصورة المتكررة نفسها للمرأة، فالشعر العربي يرى في المرأة على الدوام، على رأي نزار قباني، «عيناها سبحان المعبود... فمها مرسوم كالعنقود»، أو أنها المرأة ذات الدلال لأن الدلال جزء من الجمال والحب.

الجمال والبشاعة.. أي مصداقية؟
وفي الكثير من الحكايات الشعبية لا يمكن للبطلة أن تكون بشعة الوجه، فهي غير مقبولة لدى المستمعين أو القراء؛ ولذا فالمعايير ثابتة ومتكررة، فالبطلة هي فتاة جميلة تشبه السندريلا، بل إنها لا تشبه كل الفتيات الجميلات الأخريات، فهي الأكثر جمالاً واختفاء في آن، وهي القاعدة التي تستعاد بشأن الجمال، فالجميلة هي تلك الفتاة التي يمكن أن تختفي حين تبرق وتترك الأثر ويتم البحث عنها في كل مكان، وكلما تعذر العثور عليها تأجج الحب لدى الحبيب، في حين تشكل زوجة الأب المرأة الشريرة الشمطاء التي تكررها الحكايات بنفس المعيار!
وقد عمد الأدب إلى تقديم العديد من هذه التصورات الجاهزة، وأعاد توظيفها دون نقد، حتى إن البشاعة أصبحت نمطية حين تقترن صورة الساحرة مثلاً في قصص الأطفال بامرأة دميمة، عجوز، لتصبح بكثير من المعايير وكأنها وضعت في قالب مسبق، إلا أن الكثير من الأبحاث حاول تغيير هذا المفهوم ومساءلته من زاوية أخرى، لتصبح للبشاعة نظرة أخرى.

هل يلطّف الفن البشاعة؟
خلص أمبيرتو إيكو في دراساته عن «تاريخ الجمال» و«تاريخ البشاعة» إلى استنتاج مغامر يرى أن الفن قادر على تلطيف البشاعة، فهو يمكن أن يغير نظرة المجتمع من خلال طرح تصور مغاير، فالبشاعة الشكلية هي بشاعة لا تثير التقزز أي أنها تبقى على مستوى الشكل ولذا قد نجد جسداً مقززاً، ولكن له نظرة حانية تعكس الوجدان الإنساني والعكس.

كيف تغير مفهوم الجمال والبشاعة؟
إذا تأملنا العديد من المراحل التاريخية للفن، نجد أن المعايير التي كانت تتسم بالدقة والمطابقة في الكثير من العصور الكلاسيكية، لم تعد تجدي مع الكثير من المدارس الفنية، مثلاً حين نرى لوحات الفنان بيكاسو، نشهد الكثير من الوجوه المكعبة بهندساتها الغريبة والمربعة في أغلب الأحيان وكأنها التوقيع الأساسي لفنه ولرؤيته.
كما نجد لدى سلفادور دالي أيضاً الكثير من الأشياء التي يمكن أن تلفظها الطبيعة وقد تحولت إلى مادة فنية بوجوه غريبة، فيمكن أن نجد المرأة، وقد اتخذت معنى آخر ضمن لوحاته، كما يتجلى ذلك في لوحة «الزرافة المشتعلة»، حيث تقف امرأتان في واجهة اللوحة، وفي الخلف زرافة مشتعلة تنتظر أن تحرق بالكامل وسط سماء زرقاء تظهر ذلك التباين بين القتامة والانفراج، وعلى الرغم من تعدد التأويلات الرمزية للوحة التي اعتبرت تمثيلاً لأزمات الحروب التي عاشها دالي في تلك الفترة، إلا أن التعبير الأكثر جمالاً للوحة هو أن الفن يلطف البشاعة بكل أشكالها مهما قست على الطبيعة والبشر.