محمود إسماعيل بدر

شهدت إمارة الفجيرة مؤخراً حدثاً ثقافياً متميزاً، تمثّل في تنظيم أكاديمية الفجيرة للفنون الجميلة، بالتعاون مع الهيئة الدّولية للمسرح، ورشة تكوينية بعنوان «فنّ المايم - التعبير الجسدي» على مسرح دبا الفجيرة، لمدة 10 أيام، بتوجيهات ورعاية سمو الشيخ محمد بن حمد بن محمد الشرقي، ولي عهد الفجيرة. 
الورشة التي أشرف عليها الممثل الصّربي العالمي «ماركو ستويانوفيتش» رئيس المنظمة الدولية لفن المايم، أسهمت في تخريج 16 ممثلاً وممثلة من المحترفين والهواة الذين سيمثلون بحسب علي عبيد الحفيتي، مدير أكاديمية الفجيرة للفنون الجميلة، إضافة نوعية للمشهد المسرحي في الإمارات، مؤكداً لـ«الاتحاد الثقافي» أهمية الورشة الهادفة إلى نشر وتعليم فن المايم، وصقل مهارات جيل جديد من العاملين في الحقل المسرحي في هذا النّوع من الفنون الصعبة المركّبة، وبخاصة لجانـب تعلّم مهارات لغة الجسد وتوظيفها في الفضاء المسرحي.

  • علي عبيد الحفيتي

وتلزم الإشارة هنا إلى أن المايم أو «البانتوميم»، هو فن الحركات الإيحائية، ونوع من التمثيل الصامت المؤدى من قبل فنان أو مجموعة فنانين على خشبة المسرح بغرض التعبير عن الآراء والأفكار والمشاعر عن طريق استخدام الجسد، ولهذا معانٍ ودلالات نجدها في جذور هذا الفن ما بين براعة الممثل وخيال المتفرجين، وهو في المحصلة نوع من الأدب الدرامي العريق، له جذور يونانية ورومانية.
أما كلمة «ميم»، فمشتقة من اصطلاح يوناني يعني «يقلّد - يمثّل»، وكانت التمثيلية الصامتة عند الإغريق عبارة عن هزلية تتناول حدثاً بلا كلمات، أما «المايم» فكان في الأصل «إسكتش» من نوع خاص غالباً ما ينضوي تحت مظلة أنواع الفرجة الساخرة، ومن الأشكال المبكرة للمايم الشعبي «الكوميديا السيراكوزية» التي ظهرت في القرن الخامس قبل الميلاد، ولعل من أبرز مؤلفيها «إينجارموس» و«سوفرون» وكان لها تأثير قوي على الفن الكوميدي في أثينا، وإن اختلفت عنه في خلوّ الأولى من الكورس «الجوقة» والخلفية السياسية.

  • ‎ماركو ستويانوفيتش

وعرف الرومان أيضاً التمثيل الصامت بأبسط صوره ضمن صور التّسلية الدرامية المعروفة في الأزمنة الكلاسيكية، وبالنظر إلى الفضاء المسرحي القديم نجد أن هذا الفن جمع في ظلاله المفتوحة مهرجين ولاعبي سيرك وأكروبات، كانوا يستعرضون فنونهم ومهاراتهم الجسدية في الأسواق والشوارع والقرى الريفية والساحات العامة لإحياء الحفلات في الأعياد وغيرها من الاحتفاليات الشعبية التي لا تتوقف طيلة العام.

أهمية متزايدة
إنّ أوّل من أعطى للمايم الروماني إيقاعه وشكله الأدبي، الكاتب «ديسيموس لابريوس» في القرن الأول ق. م، وفي القرن الثاني بعد الميلاد حدد «لوسيان ساموساتا»، في رسالة، الخصائص الأساسية لممثل المايم بقوله «يجب أن تتوافر له معرفة مسبقة بالموسيقا والميثولوجيا، وعليه أن يتمتع بذاكرة حادة وحساسية مرهفة وجسم متناسق رشيق، يجمع بين القوة العضلية ومرونة الأطراف».

ومنذ العهد اليوناني إلى يومنا هذا، تبدو أهمية المايم المتزايدة من خلال تنوّع شعبيته التي بلغت أقصاها في «كوميديا ديللارتي» أو «الكوميديا المرتجلة» في إيطاليا في القرن الساس عشر، حيث كان الممثلون يستخدمون الأقنعة والكلمة المنطوقة مع الإيماءة والإشارة -وليست بعض الأشكال المألوفة التي عاشت في صورة متغيرة حتى اليوم، سوى امتداد لشخصيات الكوميديا المرتجلة. 

حضور وغياب
وللمفارقة فإن هذا الفن ليس واسع الانتشار بما يكفي عربياً وعالمياً، وفي الإمارات نجد أن أعمال مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما، استحضرت هذا الفن، وفي مصر تمثل في أداء الفنان أحمد نبيل، وفي المغرب نجد أن الممثل عبد الحق الزروالي ما زال قابضاً على أداء المايم، وعالمياً اشتهر به الممثل الفرنسي جان لو باري، وجميعهم نجحوا في استخدام لغة الجسد وقدرته التعبيرية في خلق الإيهام بالبيئة المتخيلة، ولكن السؤال لا يزال يطرح نفسه: هل المايم آخذ طريقه إلى الاختفاء والغياب بعد هيمنة ثورة المعلومات والمنصات الرقمية للفنون؟