محمد عبد السميع وإبراهيم الملا

الحديث عن المسرح السياسي أو المسرح الملتزم، يحيلنا حتماً إلى مدى ارتباط هذا الفنّ الأصيل المسمى «أبي الفنون» بالمجتمع والتعبير عنه وعن قضاياه وهمومه، وهو ما يدعونا إلى أن نتداول أكثر من نظرية ورأي في أيّهما أهمّ من الآخر: الهدف الاجتماعي والسياسيّ النبيل، أم الهدف الجماليّ الذي يتطوّر معه المسرح وينمو مثل أيّ كائنٍ حي، يواكب ويقرأ ويختمر عبر المراحل، فيعبّر عنها، بجماليّة تشدّنا إلى متابعة القضايا والتأثر بها أو تبنّيها. ومن هذا المنطلق كان تراثنا العربي مساحةً خصبةً لأن نقرأه اليوم ونستدرك ما قد يكون فاتنا منه وما تجاوزناه في مراحل معيّنة، مستثمرين في أصالته وعبقه التاريخي، وفي الوقت ذاته ندخل بسؤال النقد المسرحيّ لأوجه ضَعْفِه وضَعف الأداء العربيّ فيه، وهذا هو ديدن المسرح ورسالته، في أن يكون مواكباً وملتزماً بقضايا الشعوب ونافذةً لها على فهم ما يجري حولها، وقد كان هذا حال جيل من المسرحيين المتميزين الذين حملوا الهموم الوطنية والإنسانيّة، فكانوا كوكبة مضيئةً تنير دروب التحرر والمعرفة والانعتاق، ويبثّون في شعوبهم روح الوعي بكينونتها ومستقبلها الذي يتأسس على كلّ ذلك الماضي الأصيل.

«الاتحاد» حاورت بعض أبرز نقّاد المسرح ودارسيه والمنظّرين له، حول المسرح الملتزم ورسالته ومحدداته.. وقد أكدوا أن أفق المسرح العربيّ ما زال مفتوحاً على الجديد، وفيه من الكفاءات الإبداعيّة في الكتابة والإخراج والتمثيل المسرحيّ نماذج حيّة، مبرزين دعم صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، للمسرح وإيمانه برسالته النبيلة وتأكيده عليها، وسموه أنموذجٌ إبداعيٌّ في الكتابة المسرحيّة أيضاً، من خلال ما كتبه من أعمال تجلّى فيها الالتزام بأوضح مظاهره وأسمى سمات الإبداع والحكمة والخبرة في استلهام الماضي في الدروس والعبر والقراءة الجادّة للقادم، وأعمال سموّه كثيرةٌ في هذا المجال، وطنياً واجتماعيّاً وفي قضايا دينيّة وسياسيّة وتاريخيّة أصيلة.
إنها محاولة لفهم معنى الالتزام في المسرح وضرورته والبحث في أصل التسمية والآفاق التي تظلّ، دائماً على تماسٍّ مع ما يحتاجه إنساننا العربيّ: اليوم وغداً، وفي كلّ حين.

الفن والواقع
ينطلق الناقد والأكاديمي العراقي د.جبار خماط من أنّ مفهوم الفنّ والالتزام هو وجهٌ لتأكيد علاقة الفنّ بالواقع لتغييره إيجابياً، بعد معرفة مشاكله أو عيوبه، مدللاً بكتاب أرسطو «فنّ الشّعر» وارتباط الفنّ بفرضية الاهتمام بالذّات «المواطن الصّالح» وجعله متداولاً في بنية المدينة، بعد تخلّصه من علامات الجهل وتحويلها إلى معلوم يحقق تطهير النفس من العواطف المانعة للانسجام السلوكي للأفراد داخل المجتمع.

  • جبار خماط

ويسوق د. خماط في هذا الموضوع جملة من الآراء المؤيدة أو المعارضة، حتى ظهور ما يعرف بـ«الفنّ للفنّ» حول علاقة الفنّ بالحياة، وجملة الإشكالات الفكريّة حول جدوى الفنّ ومدى التزامه بقضايا المجتمع، والأسئلة التي طرحت حول مدى كون الفنان أميناً في نقله وبالتزام يربط القيمة الفنيّة بالمسؤولية الأخلاقيّة، وهل سيفقد، حين يكون ناقلاً، البُعد الجمالي الأسلوبي الذي يحقق اللذة الشعرية والفكريّة على حدٍّ سواء.

دعم لامحدود
ويشير الفنان الإماراتى عمر غباش، مستشار شؤون الدراما والإنتاج في مؤسسة دبي للإعلام، إلى أنه، خلال الفترة الممتدة منذ نصف قرن، برز العديد من كتاب المسرح الجادين الذين قدّموا مواضيع تمسّ جوهر القضايا العربية والإنسانية سواءً كانوا من رواد المسرح العربي أم من كُتّابه الحديثين.

  • عمر غباش

ويذكر غباش الكثير من أعلام المسرح العربي في هذا المجال. وفي الإمارات، برز العديد من الأسماء، ولكنَّ أبرزها على الإطلاق صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، الذي كانت له ولا تزال إسهامات مسرحية عديدة على مستوى التأليف المسرحي، فضلاً عن دعمه اللامحدود للمسرحيين في الإمارات والوطن العربي. ومن أهم مؤلفاته مسرحيات: القضية، عودة هولاكو، الحجر الأسود، والعديد من المسرحيات الأخرى التي تناولت قضايا عربية وإنسانية مهمة.

المسرح المستنير
ويؤكّد الفنان الإماراتي د. حبيب غلوم أننا في الإمارات العربية المتحدة عموماً كفنانين ومثقفين نحظى برعاية كريمة من قيادتنا الرشيدة، وبالأخص دعم ورعاية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة لمجال الثقافة والفنون والآداب.
وفيما يختص بالمسرح في الوطن العربي، يرى أنّه يحتاج أيضاً إلى دعم جاد، لأنّ بعض البلدان لا تهتم بالثقافة وبإنتاجها المحلي العميق، خاصة ما يمكن أن نطلق عليه مسرح الدولة الذي يجب أن يكون مسرحاً ملتزماً بقضايا مجتمعه ووطنه وأمته في ظلّ هذا الزخم من الأعمال التي توجد تحت مسمى «الكوميديا» والكوميديا منها براء. وإذا نظرنا في كتابات بعض العباقرة والعظماء السابقين سنجد أننا كعرب نعيش في عالم آخر.

  • حبيب غلوم

ويؤكد غلوم أن إبداع وكتابات الشيخ سلطان لها تأثيرها الخاص والمختلف بلاشك، فالجمال هنا يكمن حين تجد حاكماً يهتم بالثقافة والفن، وهذا شيءٌ إيجابي جداً له تأثيره المباشر والجيد على القارئ والمشاهد العربي، فسموّه ككاتب تتوافر لديه الأدلة والبراهين والمراجع وأمّات الكتب التي يمكنه الاعتماد عليها في استقاء المعلومات والموضوعات التي يحب أن يناقشها في مسرحياته تاريخياً واجتماعياً، إذ يفضّل كثيراً الغوص في المسرح التاريخي أكثر منه في المسرح السياسي، فهو دائماً ما يكتب عن طريق الغوص في الماضي بفهم ووعي الكاتب المستنير.

كتابات جادّة
وبدوره يؤكّد المخرج السعودي سامي الزهراني أنّ المسرح لا قيمة له من دون الالتزام، الذي من المفترض أن يكون في كلّ مفاصل المسرح، على مستوى التأليف كعتبة أولى للعملية المسرحية، والمخرج كذلك عليه التزامات ومهام لابدّ من إتقانها، من تجويد للعرض المسرحي وتقديمه للجمهور من خلال قالب إخراجي مميز ومحترم، كما إنّ الممثل لديه، هو الآخر، التزام حيال نصه وتقديم الشخصية بعد أن يدرس جيداً تاريخها ويحاول أن يضيف ما يساعده على تقديم المتعة للجمهور.

  • سامي الزهراني

المشروع الفكري
وفي المسرح العربي، يؤكد الزهراني أن صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، الرئيس الأعلى للهيئة العربية للمسرح، قد طبّق الالتزام المسرحي بكل حذافيره حيال نصه كمحب للمسرح، وحيال مجتمعه ووطنه، حين بث سموه الروح من جديد في المسرح على المستوى المحلي والخليجي والعربي، كما أنّ سموّه كاتب نصوص مسرحية مميز، له مشروعه الفكري واهتماماته بتاريخ الوطن والأمّة ومستقبلها. ويؤكّد الزهراني أهمية المشروع المسرحي الذي يتبناه صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان القاسمي عربياً من خلال الهيئة العربية للمسرح التي تحركت في مختلف الاتجاهات لكي تعيد للمسرح العربي وهجه من خلال الورش والملتقيات والمطبوعات والبحوث والتكريمات المستمرة.

تحرر المرأة
ومن جانبها، ترى الكاتبة والأكاديمية المصرية صفاء البيلي أنّ المسرح كأي فنٍّ يتأثر ويؤثر بمرور الزمن ومع التطور الإنساني والمعرفي لكافة العلوم والفنون، وقد ظهر في العقود الأخيرة من القرن العشرين اتجاه مسرحي ملتزم جديد يدعم المرأة ونضالها وتحررها ويناقش قضاياها عبر إنتاج عروض نسوية تقوم المرأة فيها بكافة متطلبات العمل المسرحي من تأليف وسينوغرافيا وإخراج.. إلخ، على أنّ الالتزام غالباً ما يذكر مؤخراً مترابطاً مع القضايا الفكرية والتأملية والتحرر الاجتماعي.

  • صفاء البيلي

وهو ما تتميز به كتابات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان القاسمي في نصوصه العديدة التي تستلهم التراث وتجعل منه عبرة للحاضر، فلا أحد يمكنه أن ينكر أياديه البيضاء في دعمه للمسرح المحلي في الإمارات أو عربياً بإقامة المهرجانات ومسابقات النصوص، علاوةً على جائزة البحث العلمي للشباب النقاد العرب وتأسيس أكاديمية الفنون الأدائية بالشارقة لمئة طالب وطالبة بالمجان.. وكل هذا تجسيد  للالتزام.. التزام المبدع بقضايا وطنه وأمته.

الهيئة العربية للمسرح
يرى الكاتب السوري عبدالفتاح قلعه جي أنّ الالتزام مفهومٌ أعمُّ من المسرح السياسي، بل إنه ينضوي في إطاره مع جملة مفاهيم كالالتزام الاجتماعي بقضايا الشعب، والالتزام الثقافي والتربوي، والالتزام الأخلاقي والسلوكي، وحتى الذين ينادون باللاالتزام في الفن على مذهب «الفن للفن» هم ملتزمون بقضايا الجمال، وبخاصة الجمال الفني، هذا في الرسم وغيره كالموسيقى والغناء، وفي المسرح، بحيث يحرصون على تقديم عرض فيه متعة فنية وجماليات توفر للمتفرج المتعة والارتقاء بوعيه الجمالي.

  • عبدالفتاح قلعة جي

والمسرح يمكن أن يكون موضوع نفسه بالنسبة للالتزام، وينضوي في هذا الإطار من يجعلون من المسرح رسالة إبداعية سامية، لأنه يحتوي ويعرض نصاً وتأليفاً وجمالاً وتشكيلاً، لقضايا الشعوب، ومن ذلك مثلاً التزام الشيخ الدكتور سلطان القاسمي بقضية المسرح ورعاية كتّابه ونشر إبداعاتهم المسرحية، وكذلك رعاية العاملين فيه ودعم مهرجاناتهم، بما يوليه من خلال الهيئة العربية للمسرح من اهتمام فائق، وما يصرفه من جهد ومال وتأليفٍ نصّيٍ في سبيل هذا القصد.