محمد نجيم (الرباط)
في كتاب «رسائل مختومة بطابع المسرة» الذي جمع رسائل متبادلة بين قامتين أوروبيتين كبيرتين، الصديقين الكاتب جورج سيمونون، وعملاق السينما الإيطالية فيدريكو فيلليني لنحو عقدين من الزمن، تجربة تواصلية فريدة، وهي، كما يقول مترجمه أحمد ألويزي، «التجربة التي يكاد عهد السيبرنطيقا المطبق اليوم، أن يغطي عليها برسائل افتراضية قصيرة، ليس فيها بوح مستقطر للوجدان». كانت البداية عام 1969، وهي السنة التي حصل فيلليني على جائزة السّعفة الذهبيّة في مهرجان كان السينمائي الفرنسي، فكانت مناسبة اغتنمها سيمونون ليبعث إلى المخرج الذي أدهشه رسالة أولى (ضاعت للأسف!)، بحكم أنه كان وقتئذ رئيساً للجنة تحكيم المهرجان. أمّا لحظة توقّف الرسائل بين الصديقين، فكانت عام 1989، العام الذي مات فيه سيمونون ، فخلّف ذلك ألماً شديداً، وفراغاً رهيباً في قلب شقيقه الرّوحي فيلليني.
أمّا الجهة التي اعتنت بجمع هذه الرسائل، وترتيبها ترتيباً زمنياً متعاقباً، والتعليق على بعضها، فهي المجلة السينمائية الفرنسيّة الشهيرة: «دفاتر سينمائيّة». وصدرت هذه الخطابات على شكل كُتيّب يضمّ 96 صفحة، تتصدّره مقدّمة بقلم الناقدة كلود غوتور، ودراسة للباحثة جاكلين ريسي، ويختم بحوار نشرته مجلة «إكسبريس» سنة 1977، بين جورج سيمونون محاوِراً، وفريديريكو فيلليني محاوَراً، على هامش عرض فيلمه «كازانوفا» في دور السينما.
واشتهر الرّوائي البلجيكي جورج سيمونون، بانضباطه العالي للعمل الإبداعي، وإخلاصه الشديد لأعراف الجنس الروائي خاصة، الذي أنتج ضمنه نحو مائة رواية، أغلبها من الرواية البوليسيّة. أما السّينمائي الإيطالي فديريكو فيلليني (1920/1993)، فاشتهر بكتابته السينمائية الطّريفة والمبتكرة، ليؤسّس مساراً فنّياً غير قابل للتصنيف وقتها في السينما، حقّق بفضله شهرة واسعة، وحاز من خلاله جوائز في أوروبا وأميركا.