د. زكي أنور نسيبة *
تأسست دولة الإمارات على مبدأ «في الاتحاد قوّة»، فنحن نؤمن بأن نجاح وازدهار بلادنا يعتمد على الالتزام بقيم التعاون والتآزر والتسامح بين الأفراد والدول. ولطالما كانت هذه العقيدة بوصلة قيادتنا الحكيمة نحو تحقيق الإنجازات الوطنية طوال الخمسين عاماً الماضية، بل وكانت بمثابة الدافع القوي وراء مشاركة الإمارات في مختلف المنصات والمحافل الدولية، بما في ذلك مشاركتنا القائمة والمستمرة خلال السنوات العشر الماضية في الجناح الوطني لدولة الإمارات في معارض الفنون والعمارة المقامة على هامش بينالي البندقية. وفي هذا العام الذي تحتفل فيه الإمارات بمرور خمسين عاماً على قيام الاتحاد، يمكننا أن نجزم بأن النمو الحيوي لدولة الإمارات العربية المتحدة وأمنها المستقر هو نتيجة تضامن مجتمعها المتعدد الثقافات، حيث تعلو قيم الانفتاح والتعاون. نحن فخورون بتاريخ العلاقات المتينة من التعاون السلمي وحسن الجوار والاحترام المتبادل مع الدول الأخرى، ونفخر كذلك بدورنا الداعم للمؤسسات العالمية والتزامنا بإبرام شراكات متعددة الأطراف ومساهمتنا الريادية في معالجة التحديات الإقليمية التي تهدد الأمن والاستقرار والسلام في جميع أنحاء العالم. وقد سجلت دولة الإمارات بعطائها اللامحدود حضوراً قوياً على خريطة الدعم الإنساني والمبادرات الخيرية في العالم، كأكبر دولة مانحة وداعمة للجهود الإنسانية والتنموية كنسبة من دخلها القومي الإجمالي. كما أطلقت خلال السنتين الماضيتين العديد من مبادرات الدعم الطبي والمساعدات الدولية للتخفيف من حدة الجائحة «كوفيد- 19» في الكثير من دول العالم. هذا وقد انتخب أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال شهر يونيو 2021، دولة الإمارات لعضوية مجلس الأمن خلال الفترة الممتدة بين العامين 2022 و2023، مما يُعد شاهداً على التزامنا الراسخ بتعزيز أسس ومبادئ التعاون والتسامح والانفتاح بين الدول، وتعبيراً عن التقدير الدولي للقيم والمبادئ التي وضعها أجدادنا المؤسسون. ولا تخفى علينا جميعاً أهمية التعاون الدولي وضرورة وضعه ضمن استراتيجية متكاملة بما يضمن تحقيق أعلى مستويات التنمية البيئية والمجتمعية والاقتصادية المستدامة. وتُعد رفاهية المجتمعات ونهضتها مرهونة، أكثر من أي وقت مضى، بتوحيد أهدافنا وتعزيز إمكاناتنا الإنسانية المشتركة بحثاً عن حلول مبتكرة قادرة على التصدي للتحديات التي نواجهها جميعاً. ومن هنا يبرز دور المساعي والمبادرات الدبلوماسية للحفاظ على علاقات دولية مستدامة وناجحة، والتي باتت اليوم حيوية ومحورية أكثر من أي وقت مضى.
تراثنا الثقافي
وتضطلع سفاراتنا في الخارج بأهمية كبيرة في تنفيذ مساعينا الدبلوماسية، فهي نافذة تمكننا من سرد تراثنا الثقافي لتسليط الضوء على قيمنا الأصيلة المنفتحة على ثقافات العالم التقدمية. كما تقدم لنا منصّة دولية للافتخار بهويتنا والتعريف بموروثنا العريق، ولاستعراض المواهب الخلاقة لمجتمعنا الحيوي. وعندما نتحاور مع الآخرين، فإننا نعزز أسس التعاون والتبادل المعرفي المشترك، لأننا نتبنّى خطاباً مثمراً يضع إطاراً موثوقاً لبناء علاقات دولية متينة ومستدامة. ويُعد الجناح الوطني لدولة الإمارات في بينالي البندقية أفضل مثال على ذلك.
في هذا العام، نحتفل بالمشاركة السنوية العاشرة للجناح الوطني لدولة الإمارات في بينالي البندقية، أحد أبرز وأهم المحافل الدولية في مجال الفنون والعمارة. وعلى خلفية تفشي الجائحة العالمية «كوفيد-19»، وبسبب العوائق الكبيرة في تنظيم النشاطات الثقافية العالمية، لم يكن من السهل على الإطلاق إقامة بينالي البندقية أو الاستعداد لتنظيم جناحنا الوطني فيه. لكن الافتتاح الناجح الذي شهدناه خلال شهر مايو الماضي أكد لنا جميعاً الثقة القوية لدى أكثر من 90 دولة مشاركة في المضي قدماً في هذا المهرجان الفني برغم الصعوبات والعوائق، وقناعتها الراسخة بأهمية مواصلة التبادل المعرفي، الذي يُعد ثمرة للتعاون الدولي الملهم. ولا تفوتنا هذه المناسبة من دون الإشادة بما تقدمه إيطاليا من عطاء والتزام باستضافة الزوّار من جميع أنحاء العالم، إيماناً منها بأهمية التبادل الثقافي وتمكين الحوارات الملهمة حول أشكال التعبير الفني والرؤى المعمارية المبتكرة. وتعرب دولة الإمارات عن امتنانها وتقديرها للمشاركة في هذا الحوار الدولي في بينالي البندقية المُقام تحت عنوان «كيف نعيش معاً؟». وحقيقةً، طرح هذا السؤال بات مهماً أكثر من أي وقت مضى، فهو يضعنا أمام مسارات جديدة من النقاشات حول مفاهيم الاستدامة والتنمية الحضرية والتغير المناخي.
نافذة على الإمارات
يُعد الجناح الوطني لدولة الإمارات في بينالي البندقية نافذة يطل منها العالم على دولة الإمارات، إذ يروي قصص تاريخنا، ويمثل حاضرنا، وينقل للعالم تطلعاتنا المستقبلية. واستطعنا أن نعزز خلال السنوات العشر الماضية الوعي والاهتمام العالميين بدولة الإمارات العربية المتحدة كمركز حيوي للفنون والعمارة والبحث العلمي. ويُعد الجناح الوطني لدولة الإمارات بمثابة استثمار في الدبلوماسية الثقافية والبيئة الثقافية للدولة، كما يُثبت دورنا الرائد في استضافة معارض عالمية، ورغبتنا في دعم الموهوبين وكوادر المستقبل. ويأتي ذلك كجزء من استراتيجيتنا الرامية إلى استمرار قطاعاتنا الإبداعية في التواصل مع المجتمعات المحلية والإقليمية والدولية، وتوفير قيمة اقتصادية لها.
ويأتي معرض «أرضٌ لَدنة»، المستوحى من السبخات (الأراضي المالحة الرطبة)، ليقدم ابتكارات مُلهمة على الصعيدين العلمي والتصنيعي، إذ ابتكر علماء في الجامعة الأميركية في الشارقة وجامعة طوكيو وجامعة نيويورك أبوظبي مادة بديلة للإسمنت وصديقة للبيئة طوّرت من نفايات المحلول الملحي المُعاد تدويره. واستخدم القيمان الفنيان وائل الأعور وكينيتشي تيراموتو ذلك لتصميم وبناء نماذج أولية على نطاق واسع.
ويكتمل المعرض بصور الفنانة الإماراتية فرح القاسمي التي تستعرض العلاقة المتوترة القائمة بين مشهد التطوّر الحضري والطبيعة في مناطق السبخة بالدولة. وأن نعيش معاً بشكل مستدام يعني الموازنة بين حاجة العالم الحديث إلى البناء والصناعة من جهة، والمحافظة على البيئة الطبيعية من جهة أخرى. ويستعرض الجناح الوطني لدولة الإمارات أمام الدول الأخرى كيف يمكنهم التوفيق بين الموارد المحلية والتكنولوجيا الحديثة لإيجاد مثل هذا الحل.
لا شك أن الفن والعمارة وسيلتان قويتان للدبلوماسية، فهما تتيحان للأفراد المشاركة وتبادل المعرفة على مستويات الثقافة والابتكار والقيم، متخطية حاجز اللغة، وتستخدمان الرموز والإبداعات الفنية لطرح الأسئلة وإعطاء الإجابات حول ما هو مهم أو جديد، وتعتمدان على التعاون من أجل الوصول إلى ابتكارات تقنية ومنهجية، ويعني ذلك في معظم الأحيان الاعتماد على الموهوبين والخبراء من حول العالم لتحقيق ذلك. يلامس الفن والعمارة جوانب إنسانية عالمية تجمعنا، مثل مشاعرنا البشرية وتفاعلنا مع البيئة من حولنا. ويساعدنا هذا النتاج الإبداعي في التركيز على ما نشاركه مع الآخرين.
نتطلع إلى استقبال العالم في معرض إكسبو 2020 دبي في أكتوبر 2021 بما يتفق مع دلالات شعار المعرض «تواصل العقول وصنع المستقبل» من خلال مفاهيم الاستدامة، والتنقل، والفرص. وفي الوقت ذاته، نهدف إلى مواصلة بث رسائل التفاؤل للإنسانية لمرحلة ما بعد كوفيد خلال الدورة الـ 17 من المعرض الدولي للعمارة في البندقية، لنقول معاً إن لدينا القدرة على بلورة المستقبل وبناء عالم أفضل.
* المستشار الثقافي لصاحب السمو رئيس الدولة الرئيس الأعلى لجامعة الإمارات
قيم التسامح والوحدة
تكمن قوّة الإمارات في تمسكها بقيم التسامح والوحدة ويتجلّى ذلك في مختلف جهودها ومبادراتها الدبلوماسية، على الصعيدين المحلي والدولي. وقد رصدت الإمارات استثمارات كبيرة في سبيل تعزيز بنيتها الثقافية التحتية وتعزيز حضورها على خريطة الفعاليات الرئيسة، التي تستقطب بدورها الأفراد والمجتمعات من جميع أنحاء العالم للتواصل والتعارف والتعاون فيما بينها. ونعمل بوساطة المؤسسات كمكتب الدبلوماسية العامة والثقافية في وزارة الخارجية والتعاون الدولي، على تحفيز وتمكين التبادل الثقافي كوسيلة فاعلة لاكتساب المعارف وبناء العلاقات المثمرة على مختلف المستويات، بدايةً من الاهتمامات الفردية، مروراً بالمستهدفات المشتركة، وصولاً إلى الشراكات المؤسسية. وتحتضن رؤيتنا الدبلوماسية الشاملة الإمكانات البشرية، حيث تجمع بين ألمع العقول والكفاءات والكوادر المتميّزة للخروج بأفضل الحلول المبتكرة وتحقيق تأثير إيجابي ملموس في العالم. ويقدم معرض إكسبو 2020 دبي أنموذجاً واضحاً على التعاون المشترك والتبادل المعرفي على المستوى العالمي.