فاطمة عطفة (أبوظبي)

حركة الشعر الحديث اهتمت بالأسطورة، سواء المستوحاة من بابل ومصر القديمة أو من اليونان والرومان، كما اهتم شعراء الحداثة بأساطير الواقع وغرائبه، ولكن، إلى أي مدى نرى ذلك في الشعر الإماراتي خاصة، يقول الأديب حارب الظاهري: تتلاحم الأسطورة والرمزية في الشعر الإماراتي الحديث والقديم، مثلما تشكلت الأسطورة كنواة في الشعر العربي الحديث بشكل عام، ولكن في الشعر الإماراتي خاصة أصبحت الرمزية سمة من سمات قصيدة النثر، وتعمقت الفكرة فيها كتجارب مختلفة لها دلالاتها، ويبقى هذا الاحتفاء كصور وكملمح كون الشعر الإماراتي هو نسيج من الشعر الكلاسيكي والنبطي وقصيدة النثر، ويصعب التعميم أو توصيف الحالة بدقة. 
ويرى الظاهري أن قضية الأسطورة في الشعر العربي ترمز إلى نهج تقريب المعنى ورسم الصورة الخيالية غير المباشرة، وجماليتها في الشعر العربي تكمن في تكييف الأسطورة كمعنى يتماشى مع القصيدة الشعرية أو النثرية.
أما بالنسبة للأسطورة وفضاءاتها وغرائبها، فيشير الظاهري إلى أنه يتفق مع كون هذه النظرة وتأثيراتها باتت أجمل طرحاً بالصورة الشعرية وفي بناء القصيدة الحديثة، مبيناً أن لكل قصيدة عالمها الفني ودلالتها، وأنها تختلف من شاعر الى آخر في التعامل مع النص الشعري، ومدى توظيف الأسطورة في بناء القصيدة. 
وحول أهمية النثر في التعبير عن الواقع ومشكلاته، يوضح الظاهري أن الحياة لا تخلو من التحديات فمنذ بدأت الخليقة والإنسان بثقافته المتعددة يستوعب الحياة بكل تجلياتها، ولا يستعصي ذلك على الكاتب، وكان الشعر الأصيل يجاري العصر ويجاري الزمن، ولكن في هذا الزمن بات السرد -وفلسفة الكتابة النثرية- يتسع كمفهوم حديث وبالتالي تراجع الشعر ولغته المجازية ولم يعد يتوغل في الحضور، ولم يعد يحقق ذلك البعد في التجربة الحقيقية، وهذه قضايا يجب طرحها على المنابر الثقافية للوقوف على الحقيقة ودراستها بعمق.

أساطير الشعر مستمرة
وحول استخدام الأسطورة في الشعر الإماراتي، يقول الشاعر أحمد العسم: بعيداً عن الأسطورة، الإمارات أعطت الكثير من الاهتمام للشعر المنطلق من الواقع وتطوره نحو المستقبل، وقد تم ذلك على مستوى واسع من خلال المؤسسات الثقافية التي تكرس المبدأ دائماً. أما عن الأساطير، فيقول: بلا شك أن الشعراء الذين استخدموا الأسطورة في الشعر الحديث كصور رمزية تشير إلى ما يعيشونه في الواقع، كرمز المطر عند بدر شاكر السياب، ولكن علينا أيضاً أن نبني أسطورة الحاضر بشعراء جدد ولهم أهمية في تجديد الشعر، وأنا أعتقد أن الأساطير الشعرية مستمرة، ولا نستغني عن الماضي كما نحن في حاجة إلى الحاضر، لننطلق منه نحو المستقبل المأمول.
ويؤكد العسم أن أهمية السرد النثري تتجلى في التعبير عن أزمات العصر لأن الكاتب والقارئ معاً يحتاجان لفهم ما يجري، ومن هنا تأتي قيمة النثر ولغته المعبرة بشكل مباشر عن الواقع، مبيناً أن تغيرات العصر لابد أن تكون موجودة في طرحها، لكي لا تتحول إلى تفاصيل منسية، مثل جائحة كورونا الآن واستيعاب الكاتب لها وما هي ردة الفعل عليها، ويضيف: عندما نتأمل حياتنا المعاصرة في مواجهة الجائحة، فهذه مشاهد نختزنها للكتابة في المستقبل، نحن نحتاج للنثر وبعمق حتى نشرح للآخرين، ولذلك النثر من الضروري أن يعطينا ملامح من الطبيعة ومن واقع حياتنا.

السيطرة على الأسطورة
وبدوره، أكد الشاعر محمد نور الدين أن بعض الشعراء اهتم جزئياً بالأسطورة، ولكنه لا يرى أي شاعر إماراتي استغرق في الأسطورة، كما كان الحال عند السياب، مثلاً، وغيره ممن بنوا شعرهم على الأساطير، ولكن الشعر الإماراتي، وبالذات في قصيدة النثر، لم يستدرج الأسطورة بشكل واقعي، فقد كان متوازناً معها، مثلاً حبيب الصايغ في شعره النثري كان يستخدم الأسطورة ولكنه لم يكن تحت سيطرتها، بل ظلت الأسطورة تحت سيطرته يستخدمها متى تحتاج القصيدة إلى ذلك، كما تهتم المدرسة الواقعية أيضاً بزخرفة النص، مشيراً إلى أن من وظف الأسطورة على أساس أن يكون المنجز شعراً نخبوياً فهذا في نظره تكلف، والتكلف لا يصلح لأن يكون قريباً من قلوب القراء وجمهور المتذوقين.
وحول أزمات العصر وحاجة الكاتب والقارئ لفهم ما يجري، وإن كان هذا ما جعل السرد النثري يتغلب على الشعر وصوره المجازية الخيالية؟ قال نور الدين: لا أظن أن شعر النثر بعيد عن المجاز، كما أن السرد جزء من النثر، والنظم جزء من النثر وبالعكس، فالمجاز موجود داخل المفردات وداخل السياق أيضاً، لكن هناك إشكالية التغير، لأن الشعر لم يعد كما كان موسيقياً وخيالياً، الشعر أيضاً تغير، التجارب مختلفة وقد ظهرت ذائقة جديدة للشعر، وهناك شعر لم يجد الذائقة كشعر أدونيس مثلاً، وقد يجد تلك الذائقة في زمن لاحق.