سعد عبد الراضي (أبوظبي)

أثار اهتمام دولة الإمارات بالمتاحف واللقى الأثرية والتاريخية، شغف المهتمين بالشؤون الثقافية والسياحية والاقتصادية، لما للسياحة الثقافية من قراءات عديدة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بخطي الدولة المتوازيين، وهما الحفاظ على الهوية المتمثلة في الموروث وما يرتبط به من تقاليد وقيم، وكذلك التطور المستدام في مواكبة العالم، والمتمثل ثقافياً في استقطاب الحضارات المختلفة لتكون جنباً إلى جنب مع التراث المحلي الضارب في جذور الأرض الطيبة العامرة بكل ما يؤكد عمق قيمها الداعية إلى التسامح والسلام والتعايش الإنساني. 

  • محمد الحبسي

الاتحاد التقت الكاتب الإماراتي محمد الحبسي، أحد المهتمين بمجال المتاحف والسياحة الثقافية، وصاحب كتاب (المتاحف الخاصة في الإمارات. دراسة وأمثلة) عن إصدارات نادي تراث الإمارات.
في البداية أكد محمد الحبسي أن اهتمام الدولة، بكل ما يتعلق بالسياحة الثقافية بمفهوم الثقافة الواسع، أمر جيد ومبشر وواعد بمستقبل حافل في هذا المجال، وأضاف الحبسي أن المعطيات التاريخية والتراثية التي تزخر بها الدولة هو ما دفعها إلى ضرورة الاهتمام بها، وجعلها هدفاً يواكب تطورها في كل مناحي الحياة، مؤكداً في الوقت ذاته أن الناتج الذي ستحققه هذه الاهتمامات سيكون له التأثير التنويري على المجتمع والأجيال المتعاقبة، كما أشار إلى أن التاريخ ضارب بجذوره في ربوع الوطن الغالي، كالذي نجده في موقع منطقة «قصر مليحة» حيث يزخر الموقع بالمعالم واللقى الأثرية التي تتوزع في أرجائه، والتي يحمل كل منها دلالات تاريخية مهمة تشير إلى طبيعة من سكنوا المنطقة ومستوياتهم الاجتماعية والأحداث التي واجهوها، بدءاً من القبور والمدافن وصولاً إلى قصر مليحة وحصنها وبيت المزرعة وكهوف جبل الفاية وغيرها من الأماكن هناك التي تجسد التاريخ ليبقى شاهداً على شعب مليحة الذي يروي لنا تاريخاً ممتداً من آلاف السنين، كما دلل الحبسي كذلك بمنطقة «الدور» بأم القيوين التي تعتبر شاهداً على عمق تاريخ الدولة، حيث يعد معبد الدور من أهم المواقع المكتشفة في دولة الإمارات، فوجدت خارج المعبد ثلاثة مذابح مبنية من الحجر الرملي، وعثر كذلك على حوض حجري عليه تسعة أسطر باللغة الآرامية، وكذلك مسكوكات العملات التي يعود بعضها إلى الإسكندر الأكبر، كل هذا وذاك يجعل من المشهد التراثي دوافع نستطيع من خلالها نحن أن نصنع منها مشهداً ثقافياً وفنياً وإعلامياً موازياً يصبح شيئاً فشيئاً، من خلال الجهد والفكر والعمل، دليلاً بديعاً على أصالة دولتنا وروعة تاريخها الممتد من آلاف السنين.

  • غلاف كتاب «المتاحف الخاصة»

كما لفت الحبسي إلى أن جهود الدولة في السنوات القليلة السابقة تعتبر نواة حقيقية لسياحة ثقافية وفنية وحضارية واعدة، شريطة أن يتم توظيف جميع المعطيات توظيفاً يساهم في دفع مفهوم الاقتصاد الإبداعي ليدعم بدوره منظومة الاقتصاد الوطني بكامل عناصره. 
وعن المتاحف الخاصة أكد محمد الحبسي أنها من أهم ما يجب الاهتمام به كونها تضم نماذج رفيعة من الموروث المحلي والموروثات العربية والعالمية، وأضاف أن من تلك المتاحف ما جعل الباحثين في التراث والمتخصصين في تحقيقه يفدون إلى الدولة من كل صوب وحدب، لما تضمه من محتوى نادر وباعث للتأمل والدهشة، كما أنها متنوعة ومتفردة في تنوعها، فنجد منها متاحف بحرية كالذي في الرمس برأس الخيمة، حيث تضم في جنباتها كل ما يرتبط بالبحر والغوص، ومتاحف عن السيارات وآخر عن الجبال والفيافي وغيرهما، وشدد الحبسي على ضرورة أن يزيد اهتمام الدولة بها في ظل توجهاتها الملموسة في هذا الشأن.
وعن المتاحف قال الحبسي إن اهتمام الدولة بها في الفترة السابقة فاعل ومبشر لما تحمله تلك المتاحف من رمزية على رسوخ الدولة في التسامح والتعايش من قديم الزمان، فنرى هذا جلياً على سبيل المثال لا الحصر في المكتشفات التي تعبر عن تمازج حضارة الدولة بالحضارات الأخرى، كموقع «أم النار» التاريخي الذي يستعرض هويتنا وهي تتناغم مع هويات وحضارات أخرى.
كما لفت الحبسي إلى أن دلائل رسوخ الدولة في قيمها المبنية على التسامح والتعايش السلمي بين البشر على اختلاف ألوانهم وأديانهم وأجناسهم يتضح من تاريخها، فنرى ذلك جلياً على سبيل المثال في «كنيسة ودير صير بني ياس»، التي تعود إلى القرنين السابع والثامن الميلادي، بل إن بعض الباحثين يرى أن القرن السادس الميلادي يمثل المرحلة الأخيرة للوجود الفعلي لهذه الكنيسة، كما عثر على كشف آخر لمعبد كان المجوس يتعبدون فيه، مضيفاً أن هذه الأرض الطيبة التي تحمل فوق رمالها الزكية أناساً ينتمون إلى مئتي جنسية ستبقى أبد الدهر نموذجاً في السلام والإخاء الإنساني بدعم قيادتنا الرشيدة وولاء وانتماء شعبها النقي المحب لكل ما يحقق الخير والرخاء للبشرية.