محمد نجيم (الرباط)

صدر مؤخراً كتاب الناقدة الشهيرة لويس تايسن، الصادر في نصه الأصلي بعنوان «النظرية النقدية اليوم»، في ترجمته العربية على يد الناقد والمترجم المغربي لحسن أحمامة، كتاب من أهم الكتب النقدية المهمة لكل باحث ومهتم بالنقد الأدبي. ففي سياق الحراك النقدي الذي يشهده العالم العربي منذ النصف الثاني من القرن العشرين، وما صاحب ذلك من حركات تحررية، وتحولات سوسيو-اقتصادية، وسياسية، كان لزاماً الانفتاح على النظريات النقدية المعاصرة. وهذا الانفتاح الذي سعى لمقاربة النصوص الأدبية وفق تصور نقدي رصين لتمكين الباحث والناقد من امتلاك وعي نظري يجد مصدره في العلوم الإنسانية، من لسانيات، وعلم اجتماع، وأنثروبولوجيا، وعلم النفس. ذلك أن الإبداع ليس توسعاً باللغة أو إبداعاً فيها، وحسب، وإنما هو أيضاً مرتبط جوهرياً بالثقافة التي أنتجته، كما يرى العديد من النظريات المتضمنة في هذا الكتاب.
ولما كان النص الأدبي كذلك، فقد لزم النظر إليه وفق تصور منهجي قوامه رؤية واضحة ترشد الباحث والناقد خلال قراءتهما من دون السقوط في قراءة انطباعية قد تحمّل النص الإبداعي ما لا يحتمل. فالمبدع لا يصدر عن رؤية مجانية، وإنما هو ضمير عصره ومجتمعه بكل تناقضاته وصراعاته. وهكذا فإن النص الأدبي يحاكي واقعه، وقد لا يعكسه بشكل مباشر، ولا يوجد بمعزل عن المتغيرات المجتمعية التي أوجدته.

مساءلة النص
ويسعى هذا الكتاب، حسب مترجمه، إلى مساعدة القارئ على تغيير منظوره في مساءلة النص الأدبي، وتزويده بمداخل مهمة لقراءة فاحصة منتجة لا تقوقع النص في نظرية نقدية واحدة، كما تصر على ذلك تايسن في نهاية الكتاب، بل بإمكان القارئ أن يقاربه من زوايا متعددة وفق مفاهيم تشترك فيها نظريتان نقديتان أو أكثر.
وتسعى لويس تايسن، يقول المترجم، إلى محاولة تغطية أغلب النظريات النقدية الأدبية لتمكين القراء من الإلمام الشامل بها، ومحاولة تطبيقها على النصوص الأدبية بكل أجناسها. ولعل الخاصية المميزة لهذا الكتاب كونه يذيل كل نظرية بجملة من الأسئلة التي يتعين على القارئ طرحها على النص الأدبي وتطبيقها عليه بهدف الخروج بقراءة تستجيب لمقتضيات كل نظرية، ولجهازها المفاهيمي. على أن بعض هذه النظريات النقدية ليست ذات طبيعة أدبية خالصة تخص النص الأدبي وحسب، وإنما نشأ بعضها في تربة تعج بالصراعات السياسية مثل النقد النسوي، والنقد الأفريقي الأميركي، والنقد ما بعد الكولونيالي، كما تشير إلى ذلك الناقدة. ولذلك يتداخل في هذه النظريات الأدبي، بالسياسي/ الأيديولوجي، بالفلسفي. ما يعني أن التداخل بات سمة معظم النظريات النقدية الأدبية، بواقع أن الهوة بين المعارف قد تم ردمها. ولعل هذه هي روح عصرنا الراهن.