فاطمة عطفة (أبوظبي)

العلاقة بين فنون الشعر والتشكيل والموسيقى ذات سمات وأبعاد فكرية وشعورية وجمالية مشتركة، وخاصة أن الشعر بدأ بالغناء، والموسيقى بتغريد الطيور وحركة الريح في غابة القصب وأصوات جريان النهر وأمواج البحار، والطبيعة بجمالها ملهمة لجميع الفنون. وفي هذا السياق تقول الفنانة التشكيلية سلمى المري: الواقع يبدو باهتاً أحياناً أمام الحقيقة التي يعرفها الفنان عن نفسه وما حوله، والخيال ذلك الطقس الروحاني الذي ينسل به ليعيش كل الفنون في منجزه الفني التشكيلي، فهناك سرد وشعر وموسيقى بدرجات مختلفة، ولن يتوقف الفنان عن مناجاة العمل والتناغم معه، إلا عندما يشتعل إحساسه كاملاً ويشعر بأنهما اكتفيا وأشرفا على إنجاز صورة الكمال، فيأتي التوقيع ختاماً للأوركسترا التي أخذته إلى أبعد مدى، ثم أعادته إلى الواقع، بعد أن أودعت الرؤى والأحلام والمشاعر في العمل الذي انتهى من تشكيله، حيث يتحول الفنان إلى مشاهد ومتلقٍّ يتأمل ما أنجزه.

بوح ونص مفتوح
وحول الروابط التي تجمع بين هذه الفنون السمعية البصرية، تقول الفنانة المري: من خلال تجربتي الشخصية في عملي الفني، أرى أن العمل التشكيلي هو حكاية أو قصيدة متداخلة بخطوط وألوان شفافة بين عناصر اللوحة، وكثيراً ما قفزت الكلمات، إزاء لوحه غائبة استدرجتها لأنشرها في فضاء أي برنامج للتواصل الاجتماعي، ودون سابق تفكير بالنص المكتوب تتدفق الكلمات لتترجم حالة من الحالات التي مررت بها أو اختزنت في العقل الباطن، فتكون مرافقتها للعمل الفني مندمجة في التكوين البنائي وصيغته الجمالية فتظهر للملأ كتأمل أو نص مفتوح أو بوح نثري. 
وبالنسبة لفن الخط، تقول الفنانة سلمى المري: لا أستطيع فلسفة الأمر من ناحية تخصصية، ولكن من إحساسي به أرى أن الخط العربي علامة فارقة وسط فنون الخطوط الأخرى، بما في ذلك التشكيل الصيني. 
ويكفي أن الخطاط يكتب لوحاته بوساطة قصبات تركت فيها الريح سرها، فانطوت الخطوط بأنواعها تسجل لحناً شجياً مرسوماً بإيقاعات لا حصر لها.

اللوحة والقصيدة
وحول العلاقة بين فنون الشعر والتشكيل والموسيقى وأبعادها الروحية والجمالية تؤكد الفنانة د. نجاة مكي على أنه يوجد ترابط بينها كما تترابط عروق الجسد الواحد، وهكذا هو الترابط ما بين اللوحة التشكيلية والموسيقى والشعر، لأن في كل منها نفس العناصر والصفات، ففي الفنون التشكيلية إيقاع وكذلك في الشعر أيضاً، والتوازن وقيمة اللون الموجودة باللوحة توازي الشعر في قيمة الكلمة والمعنى، ومثل ذلك الإيقاع في الموسيقى والقيمة السمعية وكيف تستحوذ على شعور الفرد مثلما يستحوذ اللون بقوته وجماله على المتلقي، ونفس الشعور الذي يتكون لدى المتلقي في الموسيقى خلال سماع معزوفة موسيقية فيها هدوء وتناغم وراحة نفسية. 
وهناك علاقة ما بين الفن التشكيلي والشعر والموسيقى، كما أن الطبيعة نستمتع فيها بالهدوء لأن فيها عناصر منها صوت الطيور، وكذلك جمالية منظر الأشجار وألوان الورود وصوت المياه وهي تجري والهواء النقي، وهذا كله يعطي تكاملاً للمنظر، وهكذا الشعر والرسم والموسيقى.
أما فن الخط العربي أو التشكيل الصيني، فقد جمع هذا الفن بين الحرف والرسم، كما جمع الغناء بين الكلمة واللحن. وتؤكد د. مكي أنها جميعها تلتقي مع بعضها بعضاً لأن الخط العربي فيه حروف مستقيمة ومنكسرة ودائرية ونصف دائرية، إضافة إلى النقاط وأشكال الحركات، وهذه كلها تشبه ما هو موجود بالحروف الصينية، ولكن سماكة الخط الصيني تجعله يأخذ لوناً أكثر، بينما يقبل الخط العربي أن يكون ممزوجاً بأكثر من لون، وبذلك فيه إيقاع وموسيقى. وأوضحت مكي أنها كفنانة تشكيلية لا تتدخل في فنون الخط، ولكن هذه وجهة نظر فقط، حيث ترى أن الخط العربي والصيني فيهما أبعاد متقاربة.
وحول تداخل الفنون وإلى أي حد يستلهم الشاعر من الفنان، أو بالعكس، تضيف مكي قائلة: على قدر ما يكون الإحساس بالقصيدة أو النوتة الموسيقية عميقاً وصادقاً بقدر ما تصل بوضوح إلى المتلقي، وكمثال، لماذا يُتلقى شعر المتنبي أو غيره، فلما تكون الكلمات خارجة عن صدق في المشاعر والأحاسيس يشعر فيها المتلقي بالترابط والتناغم بين اللوحة والقصيدة والنوتة الموسيقية.