سعد عبد الراضي

يستطيع المتابعون للمشهد الثقافي والعلمي والاجتماعي والمؤسسي في دولة الإمارات العربية المتحدة، منذ قيام الاتحاد على أيدي القادة المؤسسين، أن يتلمسوا بكل سهولة ويسر أن ركب المبادئ والقيم التي فطرت عليها لا يحيد عن درب الأجداد والمكاسب والأمجاد، ولأن العلم هو إحدى أهم ركائز الدولة في صنع هذا المشهد المنفتح والمتجلي على العالم، ولأن الدولة تواكب وتبدع في تطوير وتطويع المعارف لخدمة تطلعاتها، التي لا تنفصل عن رؤيتها الإنسانية، كان قرار إنشاء جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، هذه الجامعة التي يتماهى مسماها تماهياً يضيء كل مفردات الجمال الإنساني، فصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، يسعى ليل نهار بقلب وروح القيادة الرشيدة، إلى ترسيخ قيم التسامح والسلام والمحبة والإخاء في جميع ربوع العالم، وما العلوم الإنسانية إلا أداة فاعلة ونافذة من أدوات المنهج الإماراتي الحافل بكل دروس التعايش الإنساني الذي يدعم البناء والارتقاء، وفق منظومة قيم رفيعة ومبادئ سامية بديعة في كل مناحي الحياة.
ومن كل هذه المنطلقات النبيلة والرائدة ترصد لكم «الاتحاد» كل ما يتعلق بالجامعة وأهدافها وبرامجها، رصداً دقيقاً وافياً، يعايش الواقع ويستشرف المستقبل. 

مؤسسة داعمة لرؤية الإمارات
في البداية، أكد الدكتور خالد سالم اليبهوني الظاهري، مدير جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، أن «الجامعة فخورة بكونها مؤسسة تعليمية حكومية داعمة لرؤية دولة الإمارات العربية المتحدة في ترسيخ أسس اقتصاد معرفي مستدام، وهي تجسيد لقيم التسامح والتعايش والحوار الفلسفي والتلاقح الحضاري وتبادل الحكمة التي تعد جزءاً من ثقافة الدولة وقيمها الأصيلة، وذلك دعماً لرؤية القيادة الاستراتيجية المتمثلة في إعداد جيل متميز معرفيّاً يملك مهارات التواصل والحوار الحضاري، ومحافظ على هويته الوطنية الأصيلة».

كما أكد أن الجهود الاستثنائية التي بذلتها الدولة لتطوير البنية التحتية في مؤسسات التعليم العالي، وتوفير منصات التعليم الافتراضي - وفق أفضل المعايير الدولية- مثال ملموس وجلي يبرز أهمية العلم والتعليم في دولة الإمارات العربية المتحدة، مضيفاً أن القيادة الرشيدة ظلت سباقةً إلى استشراف المستقبل، وتوقع التحولات الجذرية التي ستشهدها القطاعات الحيوية في العالم، وعلى رأسها التعليم، فقد غرست قيادتنا الرشيدة فينا ثقافة العلم وحب التعلم حتى أصبح المجتمع هو الذي يرغب في العلم ويبحث عنه، وأصبحت المؤسسات التعليمية والبحثية تبادر بتوفير البرامج التعليمية رفيعة المستوى، مضيفاً: وها نحن اليوم ولله الحمد، نملك منظومةً تعليميةً رفيعة المستوى، تنافس أعرق المنظومات عالميّاً، وهذا ما يجعل دولتنا دولة اللامستحيل، واللامحدود في الطموح، اللامحدود في الأهداف، اللامحدود في الابتكار والإنجاز.
وفي حديثه عن أهمية الجامعات في تطور المجتمعات والعنصر البشري، أكد أن الجامعة ليست محطة يتوقف فيها التعلم بعد التخرج، بل هي محطة لبناء العقول القادرة على التفكر والتدبر والبحث عن الحكمة من مصادرها، وقد جاء تأسيس جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، ليعكس حرص القيادة الرشيدة على النهوض بهذه العلوم وبناء العقل الراجح، وكل ما فيه رفعة للإنسانية جمعاء، وذلك عبر إنشاء مراكز بحثية رائدة، تختص بإنتاج أبحاث علمية تهدف إلى تعزيز خطاب التسامح والتعايش المشترك بين جميع الأديان، وتفتح باب الحوار الحضاري والتعاون الإنساني، وتسهم في بناء قيادة فكرية قادرة على دعم الدولة في جهودها في خدمة الإنسانية، وبناء الحكمة ونشرها.

منارة علمية مرموقة
وعن أهداف الجامعة وتطلعاتها، أشار الظاهري إلى أن جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية تهدف إلى دعم مسيرة التنمية والتطوير والبحث العلمي، وذلك عن طريق طرح برامج أكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية والفلسفية، لتكون بذلك مركزاً أكاديميّاً مرموقاً على مستوى العالم، في هذه المجالات العلمية، من خلال إطلاق 13 برنامجاً يعد كل منها الأول إقليمياً وعالميّاً، تركز على العلوم الإسلامية والإنسانية والتسامح والتعايش والفلسفة، ويتم تقديمها بمحتويات جديدة متفردة إقليميّاً وعالميّاً، حيث تشترك هذه البرامج في السعي إلى تقديم الإسلام والثقافة العربية بطريقة حضارية وإنسانية، تقوم على نشر فضائل: التسامح، والمحبة، واحترام حقوق الإنسان، والانفتاح على شعوب العالم وثقافاتها المختلفة، وذلك من خلال التحلي بقيم علمية تجمع بين الكرامة الإنسانية والحوار الحضاري، والتواصل والحكمة والمنطق، إذ ترسخ هذه القيم التوازن النفسي والفكري والمادي، ليكون المجتمع الإماراتي منارةً علميةً، وأنموذجاً مؤثراً في التوجه العالمي، ومستمراً في ترسيخ وتعزيز ما تتمتع به الدولة من كونها أنموذجاً للانفتاح على العالم، بعقلية مبدعة، وقيم إنسانية، وتعايش فعلي، وتعاون بنّاء لخير البشرية.

برامج أكاديمية متميزة
وفيما يتعلق ببرامج الجامعة الأكاديمية، فقد أفاد الظاهري أنها تقدم برامج متعددة تهدف إلى بناء العقل الراجح، وهذا ما يعني ترجيح العقل في العلم الذي يحصّله الطالب خلال مسيرته الجامعية، بحيث يصبح الخريج طالب علم مدى الحياة، ويكون العلم مسيرة لا تتوقف مع نيل شهادة عليا، بل يستمر طوال الحياة.

وأبرز الدكتور الظاهري أن برامج الجامعة تهدف في جوهرها إلى إثراء الحضارة العربية من خلال التركيز على العمق المعرفي ومظاهر التلاقح الفكري وإبراز إنجازات الحضارة الإسلامية وحضارات المنطقة -مهد الحضارة الإنسانية- والتركيز على التاريخ الإنساني المشترك، مع الحرص على تزويد الطالب بالمتطلبات العلمية والمهنية والتقنية التي تسهم في بناء الإنسان والحضارة البشرية، وتدعم مسيرته العلمية والمهنية والمجتمعية بأفضل طريقة.
وأضاف أن برامج الجامعة تشمل مجموعة من التخصصات التي تعكس عمق العلوم الإنسانية وشموليتها ومنها بكالوريوس الآداب في اللغة العربية، في تخصص الأدب، وتخصص اللغة واللسانيات، وبكالوريوس الدراسات الإسلامية في تخصص الفقه والفتوى وتخصص القرآن الكريم والحديث الشريف، وتخصص الخطاب الديني، إضافة إلى تخصص الآداب في التسامح والتعايش، وهو برنامج البكالوريوس الأول من نوعه على مستوى العالم بأكمله، الذي يهدف إلى تمكين طالب العلم من نشر ثقافة التسامح والتعايش والحوار الحضاري، بالإضافة إلى برنامج الفلسفة والأخلاق، الذي يعد أيضاً الأول من نوعه في منطقة الشرق الأوسط، ويعمل هذا البرنامج المتميز على الجمع بين الفلسفة المجردة ونظرياتها والفلسفة التطبيقية، من خلال الأخلاق وتطبيقاتها.
وفيما يخص برامج الدراسات العليا، أشار الظاهري إلى أن الجامعة تقدم برامج في الدراسات الإسلامية واللغة العربية، تعكس العمق الحضاري للمنطقة، والتاريخ الإنساني المشترك وتهدف إلى نشر الدين الإسلامي الصحيح، بالإضافة إلى برامج أخرى مختلفة من بينها: تحقيق المخطوطات والآثار، ومقارنة الأديان، واللغات مثل الروسية والتركية والعبرية.

أولويات وأهداف استراتيجية
وأوضح الظاهري أن أولويات وأهداف جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية تميزها عن غيرها من المؤسسات التعليمية الأخرى، مؤكداً أن تحقيق التميز الأكاديمي هو أول أهداف الجامعة التي تسعى إلى تحقيقها من خلال التطوير المستمر للبرامج الأكاديمية الحالية، وطرح برامج أكاديمية جديدة، واستقطاب الكفاءات الأكاديمية العالمية حيث يتم اختيار الكادر التعليمي بأعلى المعايير، ويتم اختيارهم من أفضل 200 جامعة عالمية. إضافة إلى استقطاب الطلبة المحليِّين والدوليين المتميزين من أكثر من 18 دولة، والعمل على تعزيز منظومة البحث العلمي والسعي نحو التطوير المستمر.

  • خالد الظاهري (تصوير مصطفى رضا)

بينما تتمثل الأولوية الثانية في بناء قيادات فكرية معاصرة من خلال تقديم الدراسات الإنسانية، مع الاهتمام بقضايا التنوع (التنوع في العرق والطبقة والجنس والتقاليد الدينية) والعمل على تعزيز مفهوم القوى الداعمة بالتعاون مع جامعات، ووزارات الخارجية. أما الأولوية الثالثة فتكمن في تعزيز مكانة اللغة العربية عبر إنشاء أكاديمية التميز للغة العربية وتطوير برامج اللغة واستقطاب الكفاءات المتخصصة، إضافة لعقد شراكات استراتيجية ومؤتمرات ومبادرات تعد الأولى من نوعها على مستوى المنطقة، لتعزيز مكانة اللغة العربية محليّاً ودوليّاً، إضافة إلى بناء وتعزيز العلاقات المحلية والعالمية، وذلك بتطوير نظام الشراكات المحلية والدولية لخدمة الأهداف الاستراتيجية للجامعة.
وأشار الظاهري في هذا الإطار إلى أن الجامعة تملك بالفعل شراكات مع جامعات رائدة عالمياً، من بينها جامعات رائدة في المملكة العربية السعودية والمملكة المغربية وروسيا وغيرها، مضيفاً أن الجامعة تُقدِّم خدمات متميزة، تجعل الحرم الجامعي فضاءً تعليميّاً وتثقيفيّاً واجتماعيّاً متميزاً، مؤكداً في الوقت ذاته أن إدارة الجامعة حرصت على جعل كل ركن من أركانها فريداً يُقدم للطالب تجربة علمية مميزة، ويسهم في إثراء معارفه، لتصبح الجامعة بيئةً نابضةً بالحياة، تبني العقل الراجح، وتشجع على نشر العلم والتعلم، وتحفز المواهب والإبداعات بأرفع المستويات.

تعزيز قيم الفضيلة
بالحديث عن رؤية الجامعة وقيمها، قال د. خالد الظاهري: إن رؤية جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية تتمثل في تحقيق الريادة في العلوم الإنسانية، وإن رسالتها تهدف إلى إنتاج معرفة متميزة، تُحقق المواطنة والقيادة الفكرية والكفاءة التخصصية المؤمنة بالتسامح والتعايش والحوار الحضاري وتبادل الحكمة. وتسعى الجامعة في رسالتها القيمية والإنسانية السامية للحفاظ على إرث المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، ونشره واستلهام الدروس والمثل العليا منه، والتميز والإبداع عبر تحقيق مجتمع المعرفة، والأخذ بزمام الابتكار المعرفي، وخلق جيل يحب العلم ويجلّه، ويتميز بأخلاقيات البيئة التعليمية الرفيعة، من النزاهة، والمسؤولية والعمل بروح الفريق. وتهدف الجامعة إلى تحقيق رسالتها عبر تطبيق مجموعة من القيم التي تعتبر جزءاً لا يتجزأ من سياستها، وتتمثل هذه القيم أولاً في التسامح والتعايش واحترام التنوع والاختلاف، ونشر روح السلم والسلام، وترسيخ الأخوة الإنسانية ومبادئ العيش المشترك بين الشعوب والثقافات، واستشعار عمقها الحضاري وأهميتها، والتواصل والحوار الحضاري من خلال الانفتاح على الأديان والثقافات الأخرى، والاطلاع عليها، وتبادل الزيارات بين الجامعات العالمية ودور العبادة المختلفة في العالمين الإسلامي والغربي.