سعد عبد الراضي (أبوظبي)

صالح كرامة العامري، كاتب وممثل ومخرج مسرحي وسينمائي إماراتي، ومن مؤسسي مسرح أبوظبي عام 1977، وأول من أخرج فيلماً إماراتياً طويلاً، سيرته مميزة محلياً وعربياً، عايش طويلاً هموم المسرح، ويعرف مكامن ضعفه وأماكن قوته، التقيناه في هذا الحوار ليجيب على أسئلة تتعلق بهموم المسرح في ظل الظرف الذي يعيشه العالم، بسبب جائحة «كورونا».
عن مشهد المسرح الإماراتي والخليجي عموماً، ومن خلال تجربته الممتدة فيه كمؤلف ومخرج، قال: يعد المسرح جزءاً من الحياة عموماً، والإمارات زاخرة بكل شي في الفن والحياة، ولقد عاصرت مرحلتي التأسيس والتمكين، وكانتا مرحلتين مهمتين من الوعي الإنساني، ذلك الوعي الذي أطل على هم عربي وحلم كبيرين، ولهذا جاء المسرح انعطافاً لما تحمله مرحلتا الحلم والبناء معا، ففي سبعينيات القرن الماضي كان الإنسان مهيئاً لحمل قضية المسرح محمل الجد، وكان الصدى القادم من دول الجوار التي اتخذت المسرح مرحلة ثقافية ومشروعاً فذاً، وأقصد دولة الكويت بالطبع، فكل المواهب السابقة والتي عتقت المسرح كعنصر ثنائي للبناء الحضاري، كانت دولة الكويت جزءاً من إشعاعه الحضاري المسرحي، فهذا النموذج تجلى في استقطاب كوادر مثل صقر الرشود، والذي التقيت به في السبعينيات من القرن الفائت.. الذي أريد أن أصل إليه أن خريطة المسرح المحلي هي امتداد للفن العربي، لأن الكوادر العربية كانت موجودة في بدء توهجه حتى غدا كبيراً، فلا ينفصل مسرحنا عن المسارح العربية وهموم شعوبها، لأن روح المسرح جمعية ومتداخلة وهي روح إنسانية في المقام الأول.

كائن حي
وحول هموم المسرح حالياً، أشار كرامة قائلاً: المسرح حسب عملي به، بكل مراحله وبكل صنوفه كائن حي، فهو أول من أصيب بالوباء، وكنت أصرخ للممثلين على الخشبة أثناء عنفوان التدريبات، عندما ألمس استهتاراً منهم، ليرتد صوتي في القاعة إلى مسامعهم، قائلا: احترموا الخشبة فالمسرح كائن حي لا يقبل التخاذل، لأن الخشبة من ضروريات الإنسان كاشفة لزيفه، كان الممثلون يضحكون، كيف بالخشبة أن تصبح كائناً حياً، وأثبتت الأيام هذه المقولة عندما حل الوباء، حيث أصيب هذا الكائن بل إنه كان أول المصابين، لم يعد يأته بشر كتشريف له، ولم يحضر ممثل، لأن العنصر البشري هو ربيبه، والمسرح عمود وجود الإنسان، هو من يحصر الفعل على الخشبة، كيف ستقدم مسرحاً في غيابه، ولهذا التحدي فإن للمسرح عناصره البشرية، التي تقتص من واقعه إذا هي غابت، لأن الواقع جزء من رحلة الوقوف على هيكلة البناء، نستخلص من ذلك أن المسرح في تحديه، يحتاج إلى وجود إنسان يؤمن برسالته وليس إنساناً ينحسر ويتلاشى، هو فن صادم، لهذا يرتفع بارتفاع حرارة التدريبات وبوجود إنسان مخلص يعتني به.

كوميديا الموقف
وفي حديثه عن الجدية في المسرح وتحمل مشاقه، وهل الكوميديا تحتاج للجدية كالتراجيديا، أوضح كرامة: أنا مؤمن بأن المسرح مكان للدفء والصدق، ولا يحتمل الهزل الرخيص، العمل الكوميدي الذي يحقق فكرة انتصار الإنسان على متناقضاته سوف يرتفع حتماً، فالفن موجود، والكوميديا جزء مهم من وجوده ولها مريدوها، ولكن أن يتحول الفن إلى سبيل للإضحاك، فهذا نوع آخر يحمل كثيراً من المعاني، أنا شخصياً ألجأ للكوميديا الراقية وأعدها عنصراً فذاً، فلا داعي لدحضها، الفن في تماس دائم بين واقعه وهمومه وحتى فرحه.

أزمة متلقي
وحول ما إذا كانت الكوميديا المسرحية حالياً تعاني الضعف والوهن، قال كرامة: هي لم تضعف، إنما الفنان هو الذي استنفذ معطياته، فمثلا النكتة القديمة لم تعد تضحك، الآن المتلقي تغير وعيه الذهني، وعقليته أصبحت مشرعة على محددات من المثيرات خارج نطاق واقعه، خذ مثلاً عندما ظهر هذا الوباء صاحبته بعض التكهنات، هل تلك التكهنات تصلح الآن بعد عام، سرعة الوقت اختلفت والمتلقي اختلف، والذي يلقي «الإفيه» كما يطلق عليه وعيه محصور في إيصال النكتة، مستخدم بعض الإيحاءات أو الإشارات، بينما الكلمة هي البليغة وهي السريعة، إذاً الأزمة هنا هي أزمة متلقٍّ يعي، وأزمة ثقافة واستيعاب لحركة المجتمع، المجتمع لم يعد ذاك المجتمع الساذج، لقد أصبح ذكياً، والذي كان يضحكه سابقاً، لم يعد يضحكه الآن.