محمد نجيم (الرباط)
استضاف رواق 21 للفنون بالدار البيضاء، معرضاً جديداً للفنان والخطاط المغربي العربي الشرقاوي، تحت عنوان «روح الحرف»، وتعتبر تجربة الفنان العربي الشرقاوي من أبرز التجارب الخطية في المغرب والعالم العربي، إذ تجسد أعماله روحانية الخط ونغَمِيَّته وإنسيابيته التي تستند إلى إرث طويل وجمالية مستمدة ونابعة من التراث الإسلامي، ومفعمة بلمسة موسيقية، تحكمها قواعد صارمة في الأسلوب والهندسة.
منذ عدة سنوات يعمل العربي الشرقاوي على تحديد علاقات جديدة بالحرف العربي وأنماط جديدة لاستثماره في فضاء تصويري ذي سِمَة تجريدية، فأعمال هذا الفنان، برأي الناقد الجمالي عبد الرحمن بنحمرة، في كتيب المعرض «تظل رصينة، تلميحية، خاضعة للمَحْو أحياناً، ونادراً ما يتم الاستشهاد بها، كما لا تزال حروفية غير زخرفية، بينما الرغبة في التعرف على المواد المكتوبة عنده تبقى ممكِنَة من خلال المنعطف الأَبَجَدي، بحيث تُنْتِج بعض الكلمات القابلة للقراءة حتى محاكاة للمعنى... لكن ليس هذا هدف الشرقاوي الذي لا «يَكتب» حروفه، فلغته تشكيلية في المقام الأول، وينبغي تقييمها في وَفْرة وجمال حَرَكِيَّتها.
في بعض الأحيان يصبح الحرف علامة صافية لمظهر آثر مليء بالألغاز، يقوم الفنان بمَرْكَزَتِها في كتلة حِبْر سوداء ودائرية، مُحاطَة بركام برتقالي من الخطوط الجنينية المختلطة، مثل قصاصات القماش، لذلك فإن حداثة العربي الشرقاوي لا يمكن العثور عليها في هذه المفردات «البيولوجية» للحرف، حيث لا تتوقف الإنجازات والتجارب السابقة عن إنجاب الصغار بوَساطَة الخلق الذي يُعتبر قديماً وبالتالي غير فعال، لأن تجريد الحروف في كثير الأحيان والزخرفة يَتَّحِدان فيها بشكل وثيق.
إذا كان السَّنَد الذي اعتمده الفنان مرة أخرى هو الجِلْد على شاكِلَة مجموعة من الألواح المُلًصَقَة عل الخشب والمُتَجاورة بِبَعْضها بعضاً، فإننا يجب أن نعلم أن الشرقاوي استعمل أيضاً الورق والقماش والخشب، فإن ذلك يُشير إلى الصناعة التقليدية، حيث الأصباغ مشتقة من الحناء، هذا النبات المألوف في المغرب، والذي تستمر فضائله التَّلوينِية في إثبات تأثيره الجمالي وقُوَّته اللّاصِقَة، وذلك عبر الاقتناع بأن هذه المواد باتت راسخة جيداً في الخيال الجَمْعي وأن استخدامها الوظيفي والاحتفالي والاجتماعي والثقافي مُدْرَج في برنامج الحياة اليومية، ضمن حوار دائم مع بيئته التراثية.فالخليط من العلامات الصغيرة، لا شكل لها نصف حمراء ونصف برتقالية، والتي تصاحب الحرف إن لم تَكُن الكلمة، يجعل الشرقاوي من ذلك صنفاً من مجموعة مَيْزات التي يضعها على جانِبَي عناصره أو يُرَتِّبها على طرف واد فقط، فيما يُفَضِّل المفعول الجانبي والتوازن.
أما الناقد الجمالي جان فرانسوا كليمان فيصف أعمال الشرقاوي، بقوله: الخطاط لا يمكن أن تطغى عليه الكلمات التي يكتبها، إنه يحتفظ دائما بالحرية التي تعبر عنها الحركة عندما تبدأ في إبعاد نفسها عن ذاكرتها الميكانيكية الوحيدة لتحويل نفسها إلى ذاكرة إبداعية»، ومع ذلك، لجعل عمله حقيقة واقعية، اختار العربي الشرقاوي مادة الجلد كسند لحروفيته، لتكوين تراكيب تفرض فيها الحروف المتشابكة وجودها.