فاطمة عطفة (أبوظبي)

شغل الروائي أنطوان دو سانت إكزوبري مكانة متميزة في الأدب الفرنسي، لقوة أسلوبه وطرافة تجاربه الجوية، كواحد من عشاق الطيران الأوائل. وفي كتابه «مانون، الراقصة ونصوص أخرى» ترجمة د. ثناء عباس، الأستاذة في جامعة السوربون أبوظبي، نطالع هذا الأديب ورائد طيران الليل وهو يروي قصصاً مؤثرة عن التجارب الأولى في الطيران، والمخاطر الكثيرة التي كان يواجهها في الجو، والكتاب يبيّن بصورة غير مباشرة أهمية التطور العلمي والتكنولوجي الذي مر به تاريخ الطيران، وخاصة في أهمية تدابير الأمان. وتشكل المقاهي والمطاعم مسرح الأحداث في لقاءات مانون وأحاديثها مع صديقتها سوزان وقلة من الرجال المعجبين بها أكثر من فنها، وربما كانت الفرقة الموسيقية وآلاتها هي عزاؤها الوحيد!
ويضم الكتاب أكثر من قصة طيران، إضافة إلى مدرسة للتدريب على هذه المهنة الجميلة. وبعد أن يلوّح الطيار: «إلى اللقاء يا أصدقائي...» ينطلق بطائرته وهو يتأمل حركة المروحة، ونكتشف من أحاديثه مع نفسه أن صورة الأرض من الجو أجمل بكثير، حيث تبدو المشاهد رائعة وهي تتغير بين الحقول والهضاب والقرى والغابات. وعندما يحلق على ارتفاع ثلاثة آلاف متر، تبدو ساكنة منبسطة متشابهة الألوان ولا يبقى حول الطيار غير الشمس والأفق. لكن فجأة يداهم الطيار خلل فني، وتبدأ إبرة عداد دورات المحرك تتأرجح، والمرعب أن يحدث ذلك فوق البحر، ولكنه بمهارة يحرك مقبض الغاز فيكتشف أن الخلل نقطة ماء في الوقود وينتهي الخطر بأمان ويتابع الانطلاق.. «يعيد المحرك بهوادة إلى النغمة التي كانت تغمره بالغبطة. لولا عرقه البارد لما صدق أنه خاف»!