ساسي جبيل (تونس)
المسيرة الإيجابية في الحياة تصنع بالعزيمة، وترتقي بالفعل الجاد والإضافة النوعية من خلال الاندماج والمساهمة والامتزاج التلقائي بالمجتمع، وتجاوز كل المعوقات. في هذه المساحة نستعرض سيرة حياة كُتاب وفنانين ومبدعين من أصحاب الهمم، ارتبطت أسماؤهم بتجاوز العوائق والقدرة على التفوق والتألق.
ولد هوميروس أحد أشهر الشّعراء الإغريق، في منتصف القرن التّاسع قبل الميلاد.
كان معلّم صبيان عندما أنشأ مدرسة لهم، كما اعتنى أيضاً بالكبار فلقّنهم تعاليم اللّغة والاستفادة منها. وشرع في رحلات استطلاعية يتعرّف فيها على شؤون البلاد ومختلف عاداتهم وتقاليدهم، حتّى أُصيب بالعمى بسبب عدوى الرّمد. فرجع مستعطفاً أكفّ الوجهاء وطوّف يتكسّب بالحكاية والشّعر، وكان لمصابه أثر في انتشار صيته وأشعاره، فتيسّر حاله بفضل منشديه الّذين تداولوا أشعاره وأذاعوها.
تناول في أشعاره الرّوايات التّاريخيّة والمغامرات والمواضيع المسليّة، فاتسمت أشعاره بالجاذبيّة اللّغويّة السّاحرة، وتعاضد فيها الوصف بالإيقاع السّداسي المرتّب، ما سهل حفظها وإلقاءها.
ألّف هوميروس «الإلياذة» في شبابه، وهي تتكوّن من خمسة عشر ألفاً وخمسمائة وسبعة وثلاثين بيتاً من الشّعر، وتروي قصّة الأسابيع القليلة التّي جرى فيها حصار طروادة على أيدي الإغريق، ووصف تلك الفكرة الحربيّة الجهنميّة التّي اعتمدت الحصان الخشبي.
فيما ألف «الأوديسا» في آخر عمره، وهي تروي متاعب محارب إغريقي عانى ويلات الضّياع والمجهول من مكان إلى آخر، ومن جزيرة إلى جزيرة في حوض المتوسّط خلال قرابة العقد، ثمّ العودة إلى الدّيار والأخذ بالثأر ممّن اعتدى على أسرته زمن غيابه.
تعد هاتان الملحمتان الملهمتان بداية لفنون القول عموماً، وترسيخ بدايات المنحى التدريسي الأدبي، وهو تصوير تاريخيّ صادق لتلك الفترة من الزّمن بكلّ ما أُوتيَ المنشئُ من جدارة في التّعبير وصّفت الواقع التّاريخي، واخترقت به حدود العبارة، ما جعل اليونانيين يعدونه من أرفع الشخصيّات وأقدسها، وقرّروا تدريس أشعاره وإنشادها في مناسبات عدة. مات في جزيرة «أيوس» في سنة 700 قبل الميلاد، عن عمر يناهز 99 عاماً.