محمود إسماعيل بدر (الاتحاد)

فتنت «شهرزاد»، إحدى أهم شخصيات حكايات «ألف ليلة وليلة»، الأدباء والفنانين وألهمتهم أعمالاً رائعة أثرت تراث الإنسانية، وفي الوقت نفسه ظلّت مثالاً للجمال الشّرقي والمعرفة والحكمة والذكاء، بعد أن بدت لهم هذه الشخصية التاريخية الفريدة، أسطورة، فاستوحوا منها أجمل المنحوتات والقطع الموسيقية الكلاسيكية واللوحات، وحتى الآن لم تزل منبعاً للإلهام والإبداع.

30 لوحة 
 ومن يتأمل لوحات الليالي فسيدرك أهمية توظيف نصوصها المكتوبة بسخاء، عند كبار فنّاني الحركة التشكيلية ولـ«بيكاسو» في هذا السياق لوحة «الدّيك الشّرقي» ويبدو فيه متحفزاً، مطلقاً صياحه رمزاً للصحوة من حلم شهرزاد، وشكّل الفرنسي «إنج تيسييه» من شخصية شهرزاد لوحات مشعة بالأنوثة والجمال، إلى التشكيلية الأردنية ناديا الخطيب في المعرض الذي أقيم مؤخراً في عمّان، بعنوان «شهرزاد الحكايات المعاصرة» بنحو 30 لوحة تعتمد الجسد كفكرة تعبّر عن الأنوثة بمعناها الواسع، في تشكيلات إيحائية تجريدية مشغولة بالألوان الزّيتية بريشة موسومة بالإتقان الرّفيع من تعانق الواقع بالخيال في آن.

سيدة اللوحة
في معرض الخطيب تنويعات حداثية للمرأة، ورمزياتها للخصب والنّماء والربيع والأرض والوطن، فهنا عمل تظهر فيه يدان كبيرتان تحتضنان مجموعة من الأطفال كرمز للأمومة الطاغية، وآخر لفتاة تنظر إلى قفص مفتوح، كرمز لبحث المرأة عن حريتها عبر التّاريخ، وفي ثالث تظهر سيدة وهي تربت على ظهر جواد أصيل، وما يرمز إليه هذا المشهد الدرامي من جموح نحو الخيال والشجاعة، كل ذلك يبدو لمدركنا البصري في ظلال ألوان تنتشي بمزيج من الأصفر القشّي، والترابي والأبيض، والرمادي المنتشي ببياضه أكثر من سواده، مع مزيج لوني فريد، تغدو فيه المرأة سيدة اللوحة وعنوانها، بهيئات وأوضاع إنسانية متنوعة.
نعتقد أن أنثى الخطيب في هذا المعرض، مختلفة، كونها تتأسس على رؤية جمالية حديثة، تمزج بحميمية ودفء أكثر من عنصر فوق سطح اللوحة الواحدة، فهناك خطوط ومواد لونية تحضر بأشكال متباينة، وفي بناء هندسي دقيق، تتمظهر مجتمعة بريشة أنثوية بديعة تنهل بسلاسة وفرادة من متن اللوحة الأساس فيها هو المرأة بروح شرقية.

جماليات الشرق
وتقول الخطيب عن معرضها، الذي يأتي في ظروف صعبة سببتها جائحة كورونا، إنّه انفتاح على العالم ومواكبة تسارع مواصفات التشكيل، لنقل صورة جماليات الشرق وروعته وحكاياته، ممثلاً بصورة المرأة التي تبدو عندي أكثر حداثة، بل أكثر صراعاً ونضالاً في الحياة، وغير نمطية، فقد وجدت في تراثنا أنموذجاً فريداً للمرأة التي اجتازت الحدود وأثرت الفنون المعاصرة، ولهذا وجد المعرض اهتماماً نقدياً وجماهيرياً كبيراً.