د. محمد يحيى سيد النافع 

لقد أكرم الله تعالى الإنسان بالاهتداء إلى الفضائل، والارتقاء في المحاسن، واختيار ما ينفعه في حياته وبعد وفاته، ومن ذلك الوقف الخيري الذي يدوم أصله ويصرف ريعه في أوجه البر والخير، ومن خلال ذلك يتجدد الثواب للواقف على مر الزمان، وقد جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ ‌وَلَدٍ ‌صَالِحٍ ‌يَدْعُو ‌لَهُ».
والوقف هو: حبس أصل مالي وتسبيل منفعته للفقراء أو المساجد أو غير ذلك من أوجه الخير، وباب الوقف واسع، فيصح أن يوقف الشخص: مالاً معيناً، سواءً كان منقولاً، أو عقاراً، أو صكوكاً، أو أسهماً، أو حصصاً، أو أوراقاً مالية، أو اسماً تجارياً، أو حقاً من حقوق الملكية الفكرية، أو أي مال آخر يصح الانتفاع به. 
وقد وقف النبي صلى الله عليه وسلم سبعة حوائط بالمدينة «كما في تاريخ المدينة لابن شبة 1/175»، ورغب الصحابة - رضوان الله عليهم - في المسارعة في نيل الأجر فاستجابوا له؛ وذلك لما في الوقف من المصلحة للواقف وللمجتمع، فهذا عمر رضي الله عنه أنه استشار النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أنفس أمواله قائلاً: «أَصَبْتُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ لَمْ أُصِبْ مَالًا قَطُّ أَنْفَسَ مِنْهُ عِنْدِي، فَمَا تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: «‌إِنْ ‌شِئْتَ ‌حَبَسْتُ ‌أَصْلَهَا، ‌وَتَصَدَّقْتَ ‌بِهَا» متفق عليه، وفي رواية «احبس أصلها وسبل ثمرتها». 
وقال جابر رضي الله عنه: «لما كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه صدقته في خلافته دعا نفراً من المهاجرين والأنصار فأحضرهم وأشهدهم على ذلك، فانتشر خبرها، قال جابر: فما أعلم أحداً ذا مقدرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار إلا حبس مالاً من ماله صدقة موقوفة لا تشترى ولا تورث ولا توهب»، (أخرجه أبو بكر الخصاف في أحكام الأوقاف). 
وللوقف فوائد عديدة منه سد الحاجة في المجتمع: الأمر الثاني أنه سبيل لإسعاد الإنسان، الأمر الثالث أنه وسيلة أصيلة لتوفير خدمات جليلة: فمعاهد العلم الأولى، إنما نشأت من الوقف، وتقديم الرعاية الصحية لكثير من المرضى، إنما كان يتم عن طريق الوقف، والمساجد تبنى من الوقف، ودور السكني تُبنى بالوقف للطلاب والفقراء وأبناء السبيل، والمزارع والآبار وسقاية الشرب ومحطات تحلية أو تجميع المياه يوقفها الخيرون لتكون مصدر سعادة للإنسان والحيوان، قال الشاعر: 
(مَبرَّاتُ أوقاف الألى قصدوا إلى 
معان من الإحسان جلّت عن الحصر) 
والحاصل: أن الوقف يعد من أفضل أوعية الإحسان، وهو شكر لله تعالى بتوظيف نعمة المال لتحقيق فوائد عظيمة في تنمية المجتمع، فيدعم المؤسسات التعليمية وينشر العلوم، ويقدم رعاية للفقراء والمساكين والأرامل، ويساهم في بناء المرافق الحيوية كالمساجد والمستشفيات..، ويؤدي رسالة حضارية مشرقة تسعد الإنسان في الدارين ويتجدد الأجر والثواب للواقف على مدى الأزمان. 

المركز الرسمي للإفتاء