ساسي جبيل (تونس)
المسيرة الإيجابية في الحياة تصنع بالعزيمة، وترتقي بالفعل الجاد والإضافة النوعية من خلال الاندماج والمساهمة والامتزاج التلقائي بالمجتمع، وتجاوز كل المعوقات. في هذه المساحة نستعرض سيرة حياة كُتاب وفنانين ومبدعين من أصحاب الهمم، ارتبطت أسماؤهم بتجاوز العوائق والقدرة على التفوق والتألق.
ولد لودفيج فان بيتهوفن في مدينة بون الألمانية في عام 1770، عاش حياة قاسية مليئة بالهموم والأحزان، وسعى والده إلى تعليمه أصول العزف على البيانو والقيثارة، وهو في الثالثة من عمره.
رأى بعض أصدقاء الموسيقي الشهير «موتسارت» أن بيتهوفن الطّفل صاحب عبقريّة مدهشة، وعند زيارته جلس بيتهوفن أمام البيانو وعزف، فلما سئل موتسارت عن رأيه فيه، قال: «لا بأس ولكن لا تحاولوا إقناعي بأنّ هذا الطّفل يعزف ارتجالاً». فما كان من بيتهوفن إلا أن طلب منه تحديد ما يودّ سماعه بنفسه، فاختار موتسارت لحناً، فعزف بيتهوفن بمهارة جعلت الموسيقي الشّهير يردّد في دهشة: «اهتمّوا بهذا الفتى سيتحدّث عنه الناس في يوم من الأيّام».
كان الجميع يقدّرون عبقريته ويعجبون بطباعه النّاريّة وروحه الثوريّة وزهده في الدّنيا، وعلى الرغم مما يبدو على بيتهوفن من خشونة وصلف، فإنّ ذلك يمكن اعتباره قشرة خارجيّة تخفي تحتها أرق المشاعر، إذا عدنا إلى قساوة طفولته الّتي عاشها فقيراً بائساً، عندما قال عبارته في وصف حالته في طفولته: «ارفعوا أصواتكم، صيحوا إنّني أصم».
يعدّ بيتهوفن خاتمة الموسيقيين الكلاسيكيين وطليعة الرومانسيين، فقد قاد ثورة فنيّة عارض فيها سلبيّة الموسيقى في عصره وطوّر الموسيقى من أرستقراطيّة إلى شعبيّة، ونجح في تخليص الموسيقى من الزّخارف والنّعومة وأبدع في الولوج إلى دواخل النّفس والإحساس.
وكانت أعظم موسيقاه، تلك الّتي أنتجها في مرحلته الأخيرة الصمّاء، ففيها اكتشف مناطق جديدة من الوعي وهضم التجارب السّابقة.
وفي المرحلة الأخيرة من حياة هذا الموسيقي الأصمّ البائس زاره الموسيقي الإيطالي «روسيني» في منزله المتواضع، فلمّا رأى بيتهوفن غلبه الدّمع وقال «لا تستطيع أن ترى عظمة الرّجل وفقره في آن واحد، إنّه يعيش مع الخلود بفنّه ويحيا مع الكلاب بطعامه وشرابه».
توفيّ بيتهوفن عام 1827 ولم يتجرأ أن يجلس على مقعده أمام البيانو الّذي نقل إلى متحف «فينا» أي أحد.