نوف الموسى (دبي)

الحديث عن مواجهة الموت والفقد عبر الكتابة، ووصفها بالتشافي، شكلت أولى الخطوط الجوهرية لإدراك المسارات الإبداعية الممتدة في عمق تجربة الشاعر والروائي سلطان العميمي، رئيس اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، مدير أكاديمية الشعر في أبوظبي، في «أمسية الأدب العربي»، ضمن سلسلة «أمسيات ليالي رمضان»، بمركز جميل للفنون، بالتعاون مع مؤسسة الإمارات للآداب، توقف فيها الإعلامي إبراهيم أستادي، خلال إدارته للجلسة النقاشية في سؤاله عن مسحة الحزن المنسابة في تفاصيل جّل مجموعاته القصصية، وصولاً إلى مجموعته الخامسة «كائن أزرق أو ربما»، واعتبرها العميمي بأنها تمثل لحظة إدراك الإنسان لمرحلة دخوله في مصادمة مع فقدان شخص عزيز، سارداً أثر رحيل شقيقه في عام 1997، ما جعله يتقبل وجود أزمة تُعرف بالفقدان والموت، ومنها بدأت المواجهة الفعلية من خلال الكتابة، قائلاً: «إني أقف صامتاً في وجه الفقدان الذي يمر به الكاتب والإنسان الذي بداخلي، إلا أنه يمكن الانتصار على الحزن، الذي يهدينا إحساساً بالضياع، كمن يبتر عضواً في جسمك لا يعود للنمو، من خلال الكتابة، إنها تشفينا». 
والحس الحيّ، الذي يستشعره العميمي مع الطبيعة، من خلال الأشجار، واصفاً إياها بقوله: «في داخلي غابة»، إنما ينبه القارئ إلى أعماله حول بحثه عن حالة الواقع الفعلي والانفصال عنه، وأوضح العميمي ذلك عبر انجذابه لإبداعات الكاتب الأرجنتيني خورخي لويس بورخيس، قائلاً: «تلك القصص قادرة أن تضعك في مكان أنت لا تعرف نفسك فيه، ولا تعي الجهة التي تقف فيها يميناً أو يساراً، لحظة الانفصال تلك القريبة من حالة الحُلم والتخيل، التي لا يمكن الجزم فيها، وتقف متسائلاً إن كانت حلماً أو حقيقة، ومنها تكون القصة قد صنعت حالة من الشك، وجعلت القارئ يعيش حالة الشك نفسها التي تعيشها الشخصيات، والسحر في الأمر أنها تشعرنا بأن القصة لم ولن تنتهي، ما يجعلها تبقى في الذاكرة محفورة بكل تفاصيلها، ولا تغادرنا أبداً». 
وفي تجليات الحديث عن «التجريب» في أعمال العميمي، الذي قرر على أثره، عدم العودة إلى تجربة السيناريو التلفزيوني، كونها مقيدة لفعل التجريب نفسه، قال إنه لا يخشى التجريب طالما لا يؤدي إلى غموض. وتابع: «في أغلب أعمالي القصصية والروائية، هناك دائماً حكاية تتولد عنها حكاية، أمارس عبرها اللعبة اللغوية والبنيوية، باحثاً فيها عن أشكال جديدة، فعلياً لا أتصنع الفكرة، بل أعمد إلى الدمج بين فكرتين، تمر علي قصص لا أجد لها نهاية جيدة، ما يجعلها تبقى لسنوات، إلا أن تأتي قصة ثانية وأدمجهما معاً، كأنهما قطعتان تمازجتا في روح العمل ككل، منها قصة «الممشى»، النصف الأول من القصة يعود لـ 4 سنوات مضت، صنعت لها تكملة فيما بعد، كجزء من انشغالي الدائم بشخصيات أعمالي، فبدلاً من أن أصارع هذه الشخصيات بنفسي، أخلق لها شخصيات أخرى تتصارع معها، وتتولد بينهما أبعاد نوعية للحكاية».