ساسي جبيل (تونس)

قال خليل قويعة أستاذ الجماليّات ونظريّات الفنّ وسيميولوجيا الصّورة بالمعهد العالي للفنون، جامعة صفاقس، والحاصل على الدكتوراه في علوم وتقنيات الفنون، اختصاص نظريّات الفنون وتاريخ الفنّ، الفائز بجائزة الشيخ زايد للكتاب، عن كتابه «مسار التّحديث في الفنون التّشكيليّة، من الأرسومة إلى اللّوحة»: «الكتاب باقٍ ما بقيت رهانات تنمية الإنسان وتنشيط ضميره الثقافيّ»، معتبراً الكتاب الأدبي والنّقدي صانعاً لرؤى المستقبل الثقافي وملهماً للنّموذج المجتمعي. وأضاف: «إن كان الأدب في أبرز وظائفه الخلاّقة صناعة للجمال وتنشيطاً للذّائقة ومواكبة للزّمن الحيّ ونبض الحياة، فإنّه يبقى ضرورةً في مجالات الثقافة والمعرفة والتّربية». 
وأبدى امتنانه لدولة الإمارات التي تقف وراء هذه الجائزة الأبرز في العالم العربي. وقال لـ«الاتحاد»: «ما أجمل أن تقترن المعرفة بالاعتراف، وهذا ما نحتاجه في مجتمعاتنا العربية».

  • خليل قويعة

وأوضح أن الكتاب الفائز دراسة في تاريخ الفن التشكيلي التونسي منذ الأرسومة التي تعني الرسم على الزجاج المعبر عن الفن الفطري الإسلامي حتى اللوحة الفنية بمعناها الحديث، التي ظهرت في بدايات القرن الماضي تقريباً، مشيراً إلى أنه يتبع منهجية نقدية تعول على قراءة تأويلية تاريخية، ويعرض الانتقال السلس من فن ما قبل الحداثة، أو فن الرسم التقليدي التونسي، إلى الفن التشكيلي التونسي الحديث.
وقال قويعة: إنّ القيمة التي نشدها من هذا الإصدار لا تكمن في الكتاب فحسب، بل في كونه مختبراً داخل مشروع نقديّ سعى إلى أن يكون متواصلاً، فالكتاب ينظر في تجارب فنيّة عربيّة بعينها، ضمن دراسة جماليّة مطبّقة، على خلاف آخر الكتابات السّابقة التي خاضها من أجل تركيز الجهاز النّظري والمفاهيمي والاصطلاحي، انطلاقاً من تاريخ الفنّ الحديث والمعاصر في العالم، وخاصّة ما يتعلّق بالتّلقّي وكيفيّات الإدراك والنّظر إلى الأعمال الفنيّة عامّة وطرائق تأويلها.
وتابع: «الكتاب ثمرة تطبيقيّة مخصوصة لاجتهاداتي التّنظيريّة السّابقة، وقد وجّهت فيه النّظر إلى مسائل تاريخيّة ومفصليّة حسّاسة في التّراث الفنّي العربي، وخاصّة مجال الأرسومات الزّجاجيّة التي أعتبرها مفاتيح أوّليّة لفهم بوادر تحديث الشكل الفنّي في البلاد العربيّة».
وأضاف: «الكِتاب ليس مجرّد سرد أفقيّ لمسار تاريخيّ، بل هو إعادة تفكير في مسار كتابة الذّات فنّاً وأساليب إنشاء اللّوحة الحديثة نفسها ما بين وعي جمعيّ ووعي فرديّ مستقلّ، من خلال استثمار نظريّات ومناهج وآليّات فهم، أبرزها النّظريّة الإنشائيّة التي تتعلّق بالإبداع الفنّي، بوصفه سيرورة حيّة في الزّمن، وكذلك نظريّة التّلقّي المطبّقة على الفنون التّشكيليّة، حيث ينفتح مسار التّناول على إنشائيّة أخرى تخصّ مسار النّظر والتّأويل واستئناف إبداع العمل الفنّي ذهنيّا، وهو ما أسميته بالإنشائيّة المفتوحة».
وعن أهمية الكتاب الفائز، قال قويعة: إنها تكمن في سعيه إلى أن يكون ورقة عمل نقديّة للثقافة الجماليّة العربيّة من خلال إضاءة مقاطع تكاد تكون منسيّة لدى الباحثين ولكنّها مفصليّة، مثل الأرسومات الزّجاجيّة، وخدمة الثقافة المفاهيميّة المتعلّقة بالفنّ التّشكيلي، وتركيز قيم جديدة في المجال التّربوي، من أجل الاستئناس بثقافة التّلقّي في مجال الفنون والمصالحة مع الفنون البصريّة، ودعم اجتماعيّة المعرفة الجماليّة لتكوين جمهور عربي مواكب للإبداع الفنّي ومعاشرٍ للأعمال الفنيّة التّشكيليّة، بما ينسجم مع ثراء المدوّنات الإبداعيّة التي يهديها الفنّانون العرب إلى الثقافة العربيّة الرّاهنة.
واعتبر أن الكتاب الفائز مساهمة في فتح باب على مجال تبدو الحاجة إليه ماسّة وهو مجال جماليّة التّلقي مطبّقة على الفنون التّشكيليّة والبصريّة، لافتاً إلى أنه قد يكون حثّاً لكُتّاب آخرين من أجل مواصلة البناء جيلاً بعد جيل.