محمود إسماعيل بدر (الاتحاد)

يحتفي العالم يوم 20 مارس من كل عام بـ«اليوم الدّولي للسعادة»، اعترافاً بأهمية السعادة والرّفاه بوصفهما قيمتين عالميتين مما يتطلع إليه البشر، ولما لهما من أهمية فيما يتصل بنهج التّساوي والإنصاف بين البشر، باعتباره «حقّاً إنسانياً أساسياً» للجميع، ونعتقد في هذا السياق أن احتفال الإمارات بهذا التقليد السّنوي يحمل مشروعية مثالية، لبصمتها القوية في مؤشرات السعادة، حيث احتلّ الشعب الإماراتي المركز الـ11 عالمياً بين شعوب العالم الأكثر سعادة، كما تبوأت الإمارات المركز الأول عربياً للسنة السادسة على التّوالي في مؤشر تقييم الحياة، وفق ما أعلنه بيان صحفي لشبكة حلول التنمية المستدامة، التّابعة للأمم المتحدة، التي تصدر سنوياً التقرير العالمي للسعادة، ولا تزال المسيرة التي بدأها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، مستمرة بتوجيهات القيادة الحكيمة، حيث تسعى الدولة حثيثاً لبلوغ المركز الخامس بين الدول الأكثر سعادة خلال عام 2021، حتى باتت نموذجاً يحتذى به فيما يتعلّق بمستوى الرفاهية والمرافق والمعالم البارزة والأرقام القياسية التي تحققها.

فكر ونهج
كان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي «رعاه الله»، قد أعلن في فبراير 2016، عن استحداث منصب وزير السعادة في الإمارات، وفي عام 2017 تمّ تعيين معالي عهود بنت خلفان الرّومي كأول وزيرة دولة للسعادة، وذلك على خلفية ما يقوله صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، «لا يمكن أن نسمح بالكراهية في دولتنا، ولا يمكن أن نقبل بأي شكل من أشكال التمييز والتّفرقة بين أي شخص يقيم على أرضها أو يكون مواطنا فيها»، وفي الإنجازات على الأرض تعمل وزارة السعادة على ترسيخ قيم الإيجابية والسعادة باعتبارها أسلوب حياة في المجتمع، بعد أن أطلقت «البرنامج الوطني للسعادة وجودة الحياة»، ويضم مجموعة من المبادرات والسياسات والبرامج والخدمات التي تعزز من أنماط الحياة الإيجابية، بالإضافة إلى خطّة لتطوير مؤشر السعادة، وقياس رضا الأفراد، كما أطلق البرنامج مبادرات تتعلق بنشر المحتوى العلمي والثقافي الخاص بالسعادة، من مؤلفات وكتب تخصصية ومطبوعات وتشجيع القراءة في هذا المجال، لتنمية الوعي بأهمية السعادة كفكر ونهج، وجودة الحياة كأسلوب، ونشر الوعي بمصادر السعادة والعادات التي تسهم في راحة الناس والمجتمعات، ومع حسن الطالع أن مناسبة اليوم الدولي للسعادة هذا العام، تتزامن مع انطلاق «شهر القراءة» على مستوى الدولة، واختارت وزارة الثقافة والشباب شعاراً له بعنوان «أسرتي تقرأ»، مضافاً إلى ذلك إطلاقها لجائزة أسعد بيئة لمؤسسات القطاع الخاص، وعلينا هنا العودة إلى تصريح لمعالي وزيرة السعادة، أكدت فيه «أنّ ما وصلت إليه الإمارات لم يكن من الحظ ولم يكن أمراً سهلاً، بل كان عملاً مؤسساتياً دؤوباً من الآباء المؤسسين ويستمر حتى الآن». 

«تّسامح ثقافي»
واستكمالاً لمشروع الدّولة في تكريس «ثقافة السعادة»، اُستحدثت في دبي عام 2019 «وزارة اللامستحيل» ومن أبرز مهامها تطوير وإيجاد حلول استباقية لتلافي المشكلات المتوقعة مستقبلاً، وتحفيز السلوك الإيجابي لدى أفراد المجتمع، واكتشاف المهارات الإبداعية وتنميتها، كما تم استحداث منصب وزير دولة للتسامح في عام 2016، وعلى إثر ذلك وفي 15 ديسمبر 2018، أعلن صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدّولة «حفظه الله» أن عام 2019 هو «عام التسامح» في الإمارات، بهدف ترسيخها عاصمة عالمية للتسامح، وتأكيد قيمته باعتباره عملاً مؤسسياً مستداماً من خلال جملة من التشريعات والسياسات الهادفة إلى تعميق مفاهيم قيم التعايش والحوار وتقبّل الآخر والانفتاح على الحضارات والأديان وتعزيز القيم الإنسانية النبيلة، وركّز هذا العام ضمن محاوره الخمسة على تفعيل مفهوم «التّسامح الثقافي» من خلال مجموعة من المبادرات المجتمعية والثقافية المختلفة، ويقول صاحب السمو رئيس الدولة «حفظه الله»، في هذا السياق «إنّ ترسيخ التسامح هو امتداد لنهج زايد، وهو قيمة أساسية في بناء المجتمعات واستقرار الدول وسعادة الشعوب، وأنّ أهم ما يمكن أن نغرسه في شعبنا هو قيم وإرث زايد الإنساني، وتعزيز مبدأ التسامح لدى أبنائنا»، وفي السياق نمر سريعاً على الملتقى الافتراضي، الذي نظمته لجنة الأدباء والقراءة بأبوظبي في 23 نوفمبر 2020، بعنوان «معاً نحقق السعادة في ظل جائحة كورونا» وناقش الجوانب «الصحية والقانونية والاجتماعية والنفسية» المرتبطة بالجائحة، وتأثيرها في حياة الإنسان. 

الأخوة الإنسانية
ونحن نحتفل باليوم الدولي للسعادة، من الضروري أن نعرّج إلى المؤتمر العالمي الذي عُقد في أبوظبي عام 2019، تحت عنوان «لقاء الأخوة الإنسانية» بتوجيهات ورعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، ومشاركة البابا فرنسيس، والدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر رئيس مجلس حكماء المسلمين، ونخبة من كبار القيادات الدينية والفكرية في العالم، حيث تضمن اللقاء توقيع «وثيقة الأخوة الإنسانية»، وطالبت بنودها قادة العالم وصنّاع السياسات بوضع نهاية للصراعات والفتن والحروب، بما يعكس الدور المحوري للإمارات في دعم قيم التسامح والحوار وثقافة السلام، ونبذ الكراهية والتطرف. ولا يمكن لنا إحصاء المبادرات والبرامج التي حققتها الدولة في هذا المجال، والتي تعكس مسيرة شعب يعيش في «وطن السعادة»، ومنها تقرير السعادة العالمية 2020 وتضمن تقرير هذا العام لأول مرة مؤشراً خاصاً يصنف مستويات السعادة على مستوى المدن من خلال تقييم الأفراد لحياتهم بشكل عام، حيث شمل 186 مدينة حول العالم، وحلت مدينتا أبوظبي ودبي في المراكز الأولى عربياً كأكثر المدن سعادة وبهجة، حتى في ظل جائحة «كورونا».

أهداف سامية
أجمع عدد كبير من المفكرين والفلاسفة، وفي مقدمتهم الحكيم اليوناني سقراط على أنّ الإنسان يعيش عمره وهو دائم البحث عن حياة هنيئة تسودها المحبّة والسّلام، ولم تكن غايته عبر تاريخه الطويل إلاّ الحصول على تلك الدّرة الثمينة وهي «السّعادة» والتّوق إليها موجود في أعماق كل كائن بشري، ويرى البعض أن السعادة الفردية مستحيلة دون السعادة الجماعية، انطلاقاً من كونها تساعد على الاهتمام بالأهداف السّامية، وتمنح فرصة للإبداع والابتكار والتّميّز، أو على نحو ما يقول الكاتب الأميركي كيرمان كاين (1945 – 2020): «النّجاح ليس المفتاح إلى السعادة، لكن السعادة هي المفتاح إلى النجاح».

احتفاء عالمي
يحتفل العالم في 20 مارس من كل عام بـ«اليوم الدولي للسعادة»، بعد أن اعتمدت الأمم المتحدة في دورتها 66 هذا اليوم يوماً دولياً للسعادة، وتقرر ذلك في عام 2012 تحت عنوان «السعادة ورفاهية المجتمع والنموذج الاقتصادي الحديث»، حيث إنّ العالم ما زال بحاجة إلى نموذج اقتصادي نوعي يحقق التكافؤ بين دعائم الاقتصاد الثلاث: التنمية المستدامة في مجال اقتصاد المعرفة، والرفاهية المادية، وسلامة الفرد والبيئة، مما يصبّ في تعريف ماهية السعادة العالمية.