نوف الموسى (دبي) - نظرة خاطفة لمكتبة الكاتبة والإعلامية عائشة سُلطان، كفيلة بالتساؤل عن القراءة، عن تلك الممرات اللانهائية من المعرفة المتواصلة، نحو البحث عما نعتقده أنه الحقيقة، رغم اقتناعنا بأن لكل منّا حقيقته، وأنه لا يمكن إحداث الاتصال الفعلي إلا عبر الجذر الإنساني، الذي تؤمن به سلطان، وتدافع عن حضوره في الاستشفاف الاستثنائي للرواية، الذي شكل محوراً جوهرياً في حوارها مع «الاتحاد» حول تأسيسها «صالون المنتدى الثقافي»، في ظرف تاريخي تسببت به جائحة كوفيد ـ 19، معلنةً بداية من التحولات المهولة، التي من شأنها أن تحدث وعياً يحمل بين جنباته تصوراً جديداً للواقع، وبالأخص في طبيعة العلاقات الإنسانية وتداخلاتها في المجتمعات.
تقول سلطان: "كانت القراءة في مواجهة العزلة، هي المفتاح والمؤسسة الفكرية القائمة بنفسها، منذ عرفت طريق القراءة، دخلت إلى تلك العوالم ولم أخرج، ربما أغلقت الباب من خلفي، واعتبرت أن للوعي أشكالاً عدة تشكله، مثل معلمين ومرشدين أو والدين يحفرون لك الطريق، وأحياناً مرور أشخاص بحقبة تاريخية فارقة، تتيح لهم ما لم يتح لآخرين، فالشباب الذي عاصروا الستينيات، تختلف تجربتهم عن شباب الثمانينيات، وبالنسبة لي فإن القراءة كانت فاتحة لبوابات عديدة، والرواية إحداها، توجهها نجيب محفوظ، ومرتكزها الأدب الروسي".
وأسست سلطان صالون الكتاب، أثناء انضمامها إلى الهيئة الإدارية لندوة الثقافة والعلوم، وهي عضو في صالون بحر الثقافة، وجاء صالون المنتدى الثقافي، ليكون مشروعاً خاصاً بها، تستطيع من خلاله وبمشاركة الأصدقاء في العوالم الثقافية من تحقيق استقلالية بمنهجية جديدة غير موجودة في الصالونات الأخرى.
وتقول سلطان إنها سعت إلى إثراء المشهد عبر توجيه صالون المنتدى للقراءة نحو المشاريع الروائية، بمعنى ألا تتم قراءة الرواية لكاتب معين، فقط لكونه روائي، وإنما يملك رؤية ثقافية، يبني من خلالها مشروعه الأدبي والإنساني، لذلك اطلع الصالون، الذي لم يكمل عامه الأول، على مشاريع عدة من مصر وتونس والجزائر ولبنان والسودان وفلسطين والكويت، إلى جانب روايات مترجمة. وقالت إنهم في صالون المنتدى الثقافي، يعتبرون الثقافة متكاملة في تكوينها، تتضمن المسرح والسينما والرواية والقصة والشعر، ما جعلهم يدرجون برنامجاً لمشاهدة الأفلام ضمن أنشطة الصالون، وهي مهمة نحو إدخال خيوط الحالة الإبداعية على النسيج المعرفي، وصولاً إلى القماش الكليّ للحظة الوعي.

عناصر قوة 
عن عناصر قوة صالون منتدى الثقافي، تقول سلطان إنهما عاملان أساسيان: الأول أنهم يقدمون الصالون، باعتباره مشروعا ثقافيا، والثاني هو الذكاء التفاعلي في كيفية الاستفادة من التكنولوجيا الحاضرة لبناء شبكة اتصال أدبي بين مختلف المجتمعات الثقافية، مضيفة: "عندما اخترنا الاطلاع على مشروع ربيع جابر الأدبي، ولظروف منعته من المشاركة، سعينا للتواصل مع المحيط الثقافي المهتم بقراءة تجربته نقدياً، وتوصلنا إلى الناقدة اللبنانية سمية عزام، التي قدمت أطروحات ودراسات حول رواياته، وشاركنا طلابها، كونها أستاذة تحمل دكتوراه في اللغة العربيّة وآدابها- الجامعة اللبنانيّة، بالإضافة إلى جمهور عرب تواصلوا معنا من بريطانيا وكذلك من النمسا، باستضافتنا الروائي السوادني عبد العزيز بركة ساكن، من يقيم حالياً هناك، ومشاركة المترجمة صفاء جبران أستاذة جامعية وأكاديمية مقيمة في البرازيل، وأستاذة اللغة العربية والأدب العربي الحديث في جامعة ساو باولو، لمناقشة رواية «الحياة الخفية» للكاتبة والصحافية البرازيلية مارتا باتاليا، وفي اعتقادي أنه بخروج الإنسان من ذاته وتوسيع أفقه، فهو يضع نفسه أمام العالم ويشاركه، ويدرك كيف أن الناس تبحث عن القيمة، فهناك الآلاف على وسائل التواصل الاجتماعي، يهتمون بتلك الأفكار التي تود طرحها، ومستعدون أن يمدوك بحضورهم، المهم أن تشتغل على مشروعك بذكاء وصبر عبر القاسم الإنساني المشترك".
واستوقفت عبارة «الجائحة عجلت المستقبل» سلطان، موضحة "كنا نتساءل عن السيناريوهات التي ممكن أن تتجلى وسط انغلاق تام للعالم، والأزمة سرعت في أنها وضعتنا أمام ذاك الاختبار، وسعى كل شخص إلى ابتكار طريقته". وبالنسبة للصالونات الأدبية، أوضحت أن هناك الكثير من الصالونات المهمة التي أقيمت مثل صالون توفيق الحكيم والعقاد وغادة سمان، إلا أن التقنيات والاتصال السريع اليوم، هو ما كان مفقودا في تلك المرحلة، وهي أدوات مهمة لإثراء اللقاء الإنساني، بعد أن تحول العالم إلى قرية صغيرة.
وعن نجيب محفوظ، تقول الكاتبة والإعلامية عائشة سلطان إنه كنز أدبي، لم يُكتشف فعليا، ثم تسترسل في مجاراتها لكل تلك الحبكات الروائية لمحفوظ، مؤكدة "أود أن أسس صالون خاص بروايات نجيب محفوظ، التي أرى فيها القصة والسيرة، يقود جلها الوعي بتاريخ العالم العربي وأحداثه، محفوظ مدرسة كاملة".
وحول رحلتها مع الأدب الروسي، توضح: "كنت شديدة الحماسة لقراءة الأدب الروسي، وأعدها واحدة من أهم المحطات، فإذا اعتبرنا القراءة هي التاريخ الموازي للإنسان، فإن الأدب الروسي، في تاريخ القراءة الخاص بي، هو العتبة الأساسية التي عرفتني بالأدب".