محمد عبدالسميع (دبي)
نظم اتحاد كتاب وأدباء الإمارات- فرع دبي- أمس الأول، ندوة افتراضية بعنوان: «أدب الرحلة، جائزة ابن بطوطة من الداخل». استضاف فيها فائزيْن بجوائزها في نسختها التاسعة عشرة التي نظمها المركز العربي للأدب الجغرافي - ارتياد الآفاق في أبوظبي ولندن لأفضل الأعمال المحققة والمكتوبة في أدب الرحلة، وهما الأديب والباحث الإماراتي: سلطان العميمي الذي فاز مخطوطه المحقق: «الرحلة الشابورية 1936 للكويتي زين العابدين بن حسن باقر». والروائية المصرية منصورة عز الدين التي فاز مخطوطها: «خطوات من شنجهاي في معنى المسافة بين القاهرة وبكين».
خيوط الحكاية
وأكد العميمي أن شغفه بكتب التراث، وإنجازه معجماً عن اللهجة الإماراتية منذ 14 عاماً، جعله يمسك بأول خيط من نسيج كتابه الرحلة الشابورية عندما عثر على قصائد منشورة «غير محققة»، قيلت في حكام إمارة أبوظبي على امتداد قرنين، من بينها «الأرجوزة الشابورية» الخاص بإمارة أبوظبي ومديح حاكمها في العام 1936م، ما قاده إلى البحث عن نص المخطوطة، ليعثر على نصوص شعرية أخرى قيلت في العام نفسه. وقال إنه في سبيل تحقيق نص المخطوطة، عاد إلى وثائق ومصادر ومراجع، وقابل عدداً من الرواة في إمارة أبوظبي، وتوصل إلى معلومات مهمة عن أشخاص مذكورين في أرجوزة الرحلة، وعن أماكن وألفاظ حضارية التي كانت معروفة في تلك الفترة، كما نقل الشاعر بدقة تفاصيل أيام إقامته في أبوظبي، حيث صادف يومها عيد الأضحى المبارك، فوضّح طقوس الاحتفال به، بما فيها استقبال حاكم أبوظبي للمهنئين، ثم وصف جزيرة دلما.
واعتبر العميمي النص وثيقة شعرية تاريخية أدبية لغوية، كتبها شاعر مثقف متأثر بأدب الرحلات وطقوس كتابته شعرياً، وداعياً إلى الالتفات إلى أدب الرحلات شعرياً.
راصد متحرك
وعن تجربتها، قالت الروائية المصرية منصورة عز الدين: «الحياة كلها رحلة»، مستدلة بمقولة: إن «الأدب الجيد يسكن بين شخصين: شخص يبدأ رحلة أو غريب يصل إلى مدينة»، مشيرة إلى أن الأديب نجيب محفوظ الذي لم يسافر سوى مرتين في حياته، وبقيت كلماته تمثل رحلة إلى الزمن والحارة المصرية ونفوس ساكنيها، وأكدت أن أي فصل بين أدب الرحلة والأجناس الأدبية يعتبر فصلاً وهمياً.
وقالت: إن أدب الرحلة رصد شفيف للتفاصيل المكانية والأبعاد الزمانية وما بينهما من وشائج نفسية ورمزية ودلالية ووجدانية، واصفة الكاتب في أدب الرحلة بالراصد المتحرك الذي يدور في أفلاك عجائبية زاهية. وأضافت أن رحلتها الحالية إلى باريس في ظل أجواء كورونا وما يرتبط بها من قيود حركية بالرحلة الكاشفة، مختلفة لأنها تتحرك هذه المرة في مدينة مرتجفة قليلة الزحام متسعة الوقت، بحكم القيود الكثيرة المصاحبة للجائحة العالمية.
طفولة الرواية
من جهته، وصف الشاعر نوري الجراح نص الرحلة بطفولة الرواية، وقال إن النص القديم كالذي رواه ابن بطوطة مثلاً وكتبه ابن جزي، اعتمد على الإخبار مع الغرائبيات والعناصر الأخرى المرتبطة بالكتابة في أدب الرحلة بشكل يعطي كل عنصر حقه السردي، غير أن أدب الرحلة الحديث تتداخل فيه كل تلك العناصر الإبداعية والوصفية التخييلية في سرد أدبي متشابك، مؤكداً أن الكتاب المشاركين في الجائزة، عبروا عن ذواتهم وتعددت تقنيات التعبير لديهم، وارتقوا من سلالم النقل إلى فضاءات الذات العميقة في سفرها المتخيل والواقعي.
وعرج على تطور أدب الرحلات وخروجه من حيز النص الذي يقوم فيه الرحالة بأدوار عدة كشاعر وسارد وفقيه ومستكشف، إلى فضاءات تعبيرية أعمق في رؤيتها وترابط أجزائها.
300 كتاب و90 فائزاً
أكد الشاعر نوري الجراح، المشرف على جائزة ابن بطوطة، أن الفكرة التي انطلقت من لقاء جمعه بمحمد أحمد خليفة السويدي في العام 1999، أصبحت واقعاً في العام التالي، لتحقق نجاحاً وتميزاً كبيراً على الصعيدين المحلي والدولي، وأصبحت ذات قيمة أدبية كبيرة، وحفزت العشرات من محبي هذا الفن الأدبي الرفيع، الذي تميز به العرب على مر العصور. كما أكد أن جمال أدب الرحلة يكمن في التواصل بين الثقافات المختلفة، موضحاً أن الجائزة التي أقامت تسع ندوات كبرى في عواصم عربية وأنجزت ثلاثمئة كتاب محقق، فاز بجوائزها تسعون فائزاً وفائزة من دول عربية وأجنبية في فروعها المتمثلة: في الرحلة المحققة والرحلة المعاصرة واليوميات والرحلة المترجمة، قد تقدم إلى نسختها الأخيرة ستة وخمسون مخطوطاً من عشر دول عربية، ما يدل على المكانة التي وصلت إليها الجائزة بفضل نزاهتها وارتباطها بجودة النص وعلو شأنه، لا بالكاتب وجنسيته ومكانته.