هزاع أبوالريش (أبوظبي)
تبدو الثقافة جرعة مناعة تقي المجتمع من أي عدوى فكرية مضرة، فهي حصن رفيع يرتقي بالفرد نحو مستقبلٍ مليء بالطموحات المشرقة. وقد أصبحت المسألة الثقافية عند بعض «المتثقفين»، مرحلة من مراحل الترف والرفاهية، والبعض يشعر بأنه مهم حين يتصنع الثقافة، متجاهلاً قيمتها الرفيعة ومعناها النبيل. ولكن ما هي الأسس الموضوعية للمثقف وما مسؤولياته اتجاه مجتمعه؟
عين ناقدة
وقالت الكاتبة فاطمة المزروعي: «المثقف عين ناقدة ومتوثبة للرصد والتحليل، لأي ظاهرة في المجتمع، ومن ثم التفرغ لدراستها والتعمق في متنها والخروج بنصوص حولها، وتهدف للتنبيه وتعريف الناس بها أو حتى لمنح الآخرين الأمل بالمستقبل، ببساطة كأن المثقف لا وظيفة لديه سوى التوقف عند الأحداث والمواقف المختلفة وتحليلها، وأيضاً كأن وظيفته الإبداع، وعلى الرغم من أن طرحه قد يكون مفيداً، خاصة عندما يضع حلولاً وآراء لتجاوز المشاكل أو العقبات، إلا أن هذه ليست مهمته التي يقوم بها بمبادرة شخصية، فحافزه الإبداع والتميز والقيام برسالة الثقافة التنويرية التي لا تقبل الذاتية»، مضيفة: «وتبعاً لهذه الحالة، فإنه يفترض بالمثقف أن يمتلك قدراً من المعلومات حصيلة تزوده بالقراءة والاطلاع، وتعلم التحليل والغوص في الكتب العظيمة، وهذه المسيرة منحته تفرداً، ليسقطها على واقعه تارة في قوالب أدبية، وفي المجمل هو صدى للمجتمع والهموم المتنوعة والرغبات العديدة والآمال الكثيرة والطموحات المتزايدة لأفراد هذه المجتمعات، وكأن المثقف متحدث رسمي باسمها لأنه يجيد القفز فوق الموانع بخفة ومهارة».
وتابعت المزروعي: «على الرغم من هذه الوظيفة التي قد يحسبها البعض مخملية للمثقف، فإنه شقي بها، فالمعرفة مسؤولية وهم وحزن وأرق، أن تتحمل مسؤولية هذه المعرفة التي يجهلها السواد الأعظم من أبناء مجتمعك، وأن تصبح لديك هواجس التبشير بها، وهنا قد تصطدم بموانع مختلفة تتعلق بطبيعة الناس وطريقة تفكيرهم، واهتماماتهم وأولوياتهم، لذا نشاهد منجزات أدبية منبوذة يتم رفضها ومصادرتها».
التحرر من القيود
وقالت الشاعرة والدكتورة فاطمة المعمري، إن «الثقافة تحررنا من كثير من القيود، كما تربطنا بالكثير من الأفكار؛ لذا هي مطلب مهم في الحياة، وعلى المثقف أن يتحلى بمسؤوليته المجتمعية، ويعمل مع المؤسسات لتقديم ما يمكنه لمجتمعه، من دون أن يتعرى من هويته ويتنكر لها، وأعتقد أنه على المثقف ضمن مسؤوليته المجتمعية أن يدعم الشباب المبدعين، بأخذ أيديهم وتوجيه النصح والنقد والمساهمة في الترويج لهم».
وأوضحت الكاتبة إيمان يوسف، أن «المثقف عنصر محرك لكثير من القضايا المجتمعية والإنسانية، بالإضافة إلى دوره في التوثيق الأدبي والثقافي، ولهذا فإن المنتصرين يكتبون التاريخ، حيث إن صوت الأديب الحقيقي يُعد البصمة التي لا تعود بعدها القضايا بهويتها المعتادة»، مشيرة إلى أن الأمثلة على ذلك كثيرة، منها أدب الكتاب الأميركيين من أصول أفريقية، والذي حفظ حقوق وقضايا السود وشكل دفاعاً قوياً ضد العنصرية. أيضاً، فالأدب يتماهى مع التغيرات التي تصيب العالم بقضاياه على تبدل نمطها وحيثياتها، من مثل الموجات المتعددة لقضايا حقوق المرأة والنسوية، ومثل التبدل الذي حصل في المشهد الفلسطيني في السنوات الخمسين الماضية، والذي تبعه اختلاف الصوت الذي يحاكي هذا التغير من قبل الأدباء الفلسطينيين».
وأوضحت أن «الأدب والأدباء من الأدوات الفاعلة والأكثر تأثيراً على سياسات العالم على الأمد البعيد خاصة. ويكفي ما مر به العالم مؤخراً من وباء زعزع أوصاله، لنقتفي الأثر الذي تركه وسيتركه الأدباء والفنانين حفاظاً على الإنسانية في أجمل صور قوتها وأزهاها»، مضيفة: «على الأديب مسؤولية مجتمعية عميقة وحساسة، حتى في استشرافه لما سيحدث، كما حدث معي في روايتي حارس الشمس والتي نُشرت في العام 2015 وفازت بالمركز الأول لجائزة الإمارات للرواية 2016، والتي تحدثت فيها عن تفجير الآثار العراقية، منها جامع النوري الكبير ومنارة الحدباء، والذي حدث للأسف بالفعل بعد نشر الرواية بأربعة أعوام».