فاطمة عطفة
الفنون التشكيلية عناصر جمالية متعددة يستكمل بعضها بعضاً، سواء بالكلمة، باللحن والصوت أو بريشة الفنان وألوانه وتعبيراته الوجدانية بلوحة أو منحوتة، أو بتخطيط تنساب فيه ألوان الحروف لتشكل عالماً من الجمال يبعث الأمل والمتعة في الحياة، مهما كانت الظروف الطارئة قاسية ومؤلمة. ومن هذا المنطلق، تابعت مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون فعالياتها مع حوارات أعمال كوكبة من رواد الفنون تحت عنوان«رواق الفكر.. حوارات الفنانين»، بإشراف الفنان جلال لقمان، مستشار الفنون التشكيلية للمجموعة، من خلال برنامج مهرجان أبوظبي 2021، وقد ضمت سلسلة حلقات وثائقية قصيرة بعنوان: «الفن في زمن الـ(كورونا)»، شارك فيها عدد من الفنانين الإماراتيين: مطر بن لاحج، سمية السويدي، د. نجاة مكي، عزة القبيسي، والمصور عبيد البدور. وفي لقاء«الاتحاد» مع هؤلاء الفنانين نتعرف منهم على تأثير جائحة «كوفيد - 19» على ممارساتهم الفنية، والتي تبث على منصات مواقع التواصل الاجتماعي التابعة لمجموعة أبوظبي للثقافة والفنون، التي أسستها هدى إبراهيم الخميس المدير الفني لمهرجان أبوظبي.
يقول الفنان جلال لقمان: على الفنان أن يتفاعل مع الظروف؛ لذلك حاولت أن أعطي الطابع الإيجابي والأمل في أعمالي. تخيلت «كورونا» لو أنه شخص كيف يكون شكله؟ رسمت شخصية خيالية لـ «كورونا فيروس» وقرأت تحورات الفيروس للتعبير عن هذه الشخصية الخيالية، وحولت هذا الشيء الكريه إلى شيء فكاهي إلى حد ما.
ولأن الفنان جلال لقمان مشرف على حلقات وثائقية، أشار إلى مجموعة أبوظبي للفنون ودعمها للحركة الفنية من خلال «رواق الفكر»، مبيناً أنهم اشتغلوا ضمن القيود التي فرضتها الجائحة. لذلك خصص حلقات للحوار مع مجموعة من الفنانين التشكيليين تدور حول الثقافة والفن في دولة الإمارات. هذه هي رسالة مجموعة أبوظبي للفنون لـ«رواق الفكر»، وهي متماشية مع الظروف التي يمر بها العالم، مؤكداً بقوله: استطعنا التواصل مع فنانين ملتزمين بالتباعد والوقاية من هذا الوباء، وعلينا كفنانين أن ننشر جواً من الإيجابية لمجتمعنا، كما بدأها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، بقوله «لاتشلون هم»، ونحن أخذنا هذه الرسالة العميقة وعملنا على ترسيخها لننشر الإيجابية، ونعد الناس بأن هذه الكارثة ستزول، ولا بد أن نواجه التحدي ونتغلب على الصعاب، ومن خلال عقد جلسات عمل يقدر الإنسان أن يشتغل في البيت وينتج أعمالاً فنية، هذه كانت رسالتي من خلال جلسات العمل التي اشتغلت عليها.
من جانبه، يحافظ الفنان مطر بن لاحج على عالمه الفني في مواجهة ظروف «كورونا»، ويقول: أعيش الحالة التشكيلية بكل أوجهها وحالاتها، الانشغال أو السفر أو المرض والترحال.. أعيشها كلها، الفن التشكيلي عندي لا يتضرر بشيء من حوله، وجو التفاعل موجود، سواء في فترة الظروف الصعبة أو فترة الرخاء، ولو هناك تأثرات نفسية صعبة، بالنسبة لي يحدث العكس، حيث تتوافر مساحة رحبة في موضوع الإنتاج، مشيراً إلى أن هذه الحالة الطارئة كانت فترة قوة في عمله، أنتج خلالها أربع منحوتات ضخمة وضع منها في دبي، وفي البحرين، والسعودية.
وأضاف: كانت فرصة أن أجلس مع نفسي وأفكر من خلال الهدوء الذي نعيشه بعد أن تحددت حركتنا، كان الإنتاج ضخماً، وأنا من النوع إذا انضغطت أنتج أكثر، وقد اشتغلت حوالي 20 لوحة، وهناك نوع من الاختراعات الجديدة أيضاً.
ويلفت الفنان لاحج إلى أن أحب الأعمال لديه هي المنحوتات الكبيرة أو اللوحات، قائلاً: أنا عندي كل عمل يجسد نفسه، فكرة تنزل في مجسم، فكرة أخرى تروح للوحة أو في الخط، أنا أستمتع جداً أثناء مرحلة المخاض، مخاض اللوحة أحبه بشكل كبير.
وعن اهتماماته خارج العمل الفني، فيقول: البناء الروحي مع عيالي أهم شيء خارج الشغل، أندمج معهم، وهذا ما نحتاج إليه بعد أن ننجز ما بداخلنا من أفكار. الفنان يحتاج للصفاء الروحي بينه وبين عائلته، وهذا أهم شيء عندي بعد الفن. هذه العلاقة داعم لي.
مواجهة الجائحة
وترى د. نجاة مكي أن الفن يدخل في صميم حياتنا اليومية، حتى تعاملنا مع الآخر لا بد أن يكون فيه فن ورقي، وهذا شيء من أنواع الفنون. أما بالنسبة لجائحة «كورونا»، فتقول: إن هذا ليس جديداً، والتاريخ سجل أن الإنسان تعرض لأزمات مشابهة كثيرة، ولا بد للإنسان أن يستغل هذه الأوقات في إنتاج عمله. ونحن في دولتنا، الله أعطانا قيادة حكيمة وحريصة على الناس وأحوالهم. وأمام هذه الجائحة لا بد أن يكون عندنا مقاومة، سواء كنا فنانين أو غير فنانين، مبينة أن كل إنسان في مجال عمله لا بد أن يتابع مهامه، فالفنان كمبدع أو الموسيقي والشاعر والمسرحي لا بد أن يجد لنفسه طريقة أو قناة تبعده عن هذه الأزمات، ويتلقاها بقناعات إيجابية تنعكس على المجتمع وخدمته ويرتقي خلال الأزمات.
وأكدت د. مكي أن الإنسان لما يفكر يجد قنوات كثيرة، كما حصل في تحول الأنشطة الثقافية والفنية على منصات التواصل، حيث جعلت العالم مثل خلية واحدة، منوهة بأهمية تفكير الإنسان وكيف وظف هذه التقنيات للتواصل لخدمة المجتمع وتوظيفها في العمل والإبداع، وأوضحت أنها خلال هذا العام أنجزت الكثير من الأعمال الفنية، لافتة إلى أنها في عيد الاتحاد أنجزت لوحة بقياس 5 أمتار بالألوان الفسفورية، وتقول: كان لا بد أن أشارك مجتمعي بهذه المناسبة الوطنية العزيزة على قلوبنا. وحول مشاركتها في مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون، أعربت عن شكرها وتقديرها للسيدة هدى إبراهيم الخميس المدير الفني لمهرجان أبوظبي على دعمها للثقافة والإبداع بكل جوانبه، وهذا يشكل رافداً كبيراً للحركة التشكيلية الإماراتية، ويعزز دور الفنان في المجتمع من خلال هذه البرامج، وكأننا نتحدى جميع المعوقات بالعزم والإرادة والقوة والإبداع.
أما الفنانة عزة القبيسي، فقد اعتبرت أن الفعاليات التي نظمتها مجموعة أبوظبي للفنون والموسيقا تعمل على تواصل الفنان مع المجتمع من خلال هذه المنصات الافتراضية وورش العمل أعطتهم الأمل في العطاء والاستمرار، وكل فنان عبر عن نفسه بطريقته الخاصة، قائلة: اشتغلت على مادة الإسمنت لأني من زمان لم أشتغل عليها، وقد استخدمت القفازات التي كنا ملزمين بلبسها للتعبير عن أحاسيسي وأفكاري باللمسات، كما أعتقد أن هذه الأزمة جعلتنا نعيد تقييم أنفسنا وتجاربنا وطريقة طرحنا لأعمالنا الفنية، وكيف يمكن توصيل رسالتنا الفنية للمجتمع، كذلك كان دور التكنولوجيا إيجابياً جداً في هذه الفترة، حيث وفرت المعارض الافتراضية وورش العمل فرصة جديدة، وكان التفاعل من خلال هذه المنصات أكبر مما كان يحدث على أرض الواقع، فقد حصل تفاعل عالمي ومحلي في الوقت نفسه، وأتمنى أن تستمر هذه التجارب في المستقبل.
أكدت القبيسي أن ارتباطها شخصياً مع البيئة هو جزء لا يتجزأ من حياتها، إن كان قبل الجائحة أو خلالها، قائلة: إن الأمور التي تمنيت أن تستمر في ثقافتي العائلية الخاصة كثيرة مثل «رحلة البر» السنوية التي نذهب خلالها إلى الطبيعة، والطبيعة ذاتها هي مصدر إلهام لأعمالي الفنية التي اشتغلت عليها هذا العام وكانت غنية وفريدة.