فاطمة عطفة (أبوظبي)

تعيدنا الكاتبة المبدعة لولوة المنصوري إلى عالم الرياضيات وفضائها الغامض الجميل من العنوان: «عندما كانت الأرض مربعة»، وهي مجموعة قصصية جديدة تثير في خاطر القارئ كثيراً من الأسئلة حول العلاقة بين المربع والدائرة، وبين الممكن والمستحيل، لكنها تعطينا المفتاح من القصة الأولى، حين تصحب القارئ إلى زيارة كافكا في براغ، عاصمة التشيك، ومن إهداء المجموعة إلى والدها «العائد إلى رحم الكون»، تطلق الكاتبة الخيال آخذة بيد القارئ إلى ما تشعر به، وما تكتشف من عوالم خيالية مبتكرة تجتاز حدود الواقع لتدخل في أجواء غرائبية مدهشة.
تذكرنا المجموعة بعالم المبدع الرائد يوسف إدريس في «لغة الآي آي»، ولكن بعيداً عن الألم، وربما تقترب من عالم «النمور في اليوم العاشر» لزكريا تامر، منسوجة بصور خيالية تتجاوز المنطق إلى عالم اللامعقول، لكنها تحافظ على جمالها وسلاستها وأمانها، متجنبة صور الرعب وكوابيس الظلام، هنا يدخل القارئ بصحبة الكاتبة في كون جديد، تزول فيه الحدود المعروفة بين الأشياء والكائنات، لنستكشف ما تشعر به وما يرسم لنا خيالها من عوالم وفضاءات وأجواء جديدة ومبتكرة، لا عهد لنا بها.

في القصة الأولى «تحت سرير براغ»، يقول الرجل: «بعد أربعين يوماً من موتي (...) في أقصى شمالي الجزيرة العربية، استيقظت في (براغ) على سرير بارد جداً»، ونرى أن امرأة بجانبه وقد ماتت قبله بعشرة أيام، وما زال قلبها الجريح فواراً بالنزيف، ثم يحملها لزيارة قبر كافكا، ويفكر أن يزرعها قربه «كوردة في الثلج»، ورغم الإشارة في النهاية إلى أن النزف «من جرح عاطفي قديم»، إلا أن شبح الحرب يظهر وأهوالها تبدو في أكثر من موضع، لتعيدنا إلى ما عانته أوروبا من ويلات تلك الحرب الطاحنة، تاركة لخيال القارئ أن يشارك في جمال الفن ومتعة الإبداع، بعيداً عن دروس التاريخ.
ونتابع أجواء كافكا هذه في 17 قصة، إضافة إلى أقصوصة قصيرة جداً بعنوان: «نوستالجيا»، تبدأ بلوحة فيها: «كهل يبكي/‏‏ الكهل يحن إلى شبابه/‏‏ يحن شبابه إلى طفولته/‏‏ تحن طفولته إلى حضن الأم...»، ثم تنقلنا لولوة المنصوري بلمسات فنية سريعة.. لتجيء الخاتمة: «نحن الذين أتينا كي نبكي داخل هذه اللوحة». 
وفي قصة «طريق»، نطالع عالمين متناقضين إلى أبعد الحدود، بين رجل يحب التحدث كثيراً وهو يقود السيارة، وهواجسه مسكونة بعالم المادة من أموال وطعام وأفلام وحفر الطريق، وإلى جانبه رفيقة دربه الصامتة، ولا ينسى أن يصف صمتها بالغباء! وهي تقرر أن تتحدث أخيراً عن الحب ومستقبل الماء (رمز الحياة) والموسيقى ورائحة بيتهما القديم وشجرة المانجو وثمراتها.. وتنتهي بتذكر «الأولاد الذين طاروا إلى العاصمة دون أن نشعر»، وتختم: «آآآه» وتعود إلى الصمت وعالمها الداخلي الجميل، وهو يعود إلى الطريق.