فاطمة عطفة (أبوظبي) - كان «أدب الأوبئة بين الخيال والواقع» موضوع جلسة حوار افتراضية نظمتها أول أمس مؤسسة «بحر الثقافة» بإشراف الشيخة روضة بنت محمد بن خالد آل نهيان، وكانت ضيفة المؤسسة د. ضياء عبدالله الكعبي، أستاذة السرديات والنقد الأدبي الحديث في جامعة البحرين، وأدارت جلسة الحوار عائدة الأزدي من المؤسسة، مرحبة بالدكتورة الكعبي والضيوف، واستهلت حديثها بمقولة الفيلسوف اليوناني أبيقور: «يمكن للإنسان أن يكون في مأمن من كل شيء سوى الوباء، فأمامه يعيش كل البشر في مدينة لا أسوار لها»، وأضافت: هذه حقيقة خالدة يعيشها البشر حتى وقتنا الراهن. 
أما د. الكعبي فقد وصفت أدب الأوبئة بأنه أدب كوني، أدب الجماعات الإنسانية الكبرى بمتخيّلها الجمعي، وحتى الشخصي يمكن أن يندرج في إطاره الجمعي ثقافياً، مشيرة إلى أن هذا الأدب تشكل عبر قرون طويلة وخلدته الذاكرة البشرية في بعض الأنواع الأدبية، شعراً، ونثراً، وأساطير، وملاحم، وفي أصناف أدبية لا حصر لها. هو أدب عابر للقارات والأجناس والعرقيات، يتخطاها ليكون الجميع نموذجاً واحداً يترقب الموت. وتابعت الكعبي موضحة أنه أدب ينتج عنه أدب آخر، وهو العزلة والتأمل في الذات البشرية، هو أدب متعدد الاختصاصات، ينفتح على التاريخ والفلسفة والأنطولوجيا والفنون وغيرها. وللأسف، لا نجد له إلى حد الآن تنظيرات نقدية وفكرية وفلسفية عميقة تفككه. 
وتساءلت د. الكعبي: ما السبب في ذلك؟ هل لأن ذاكرة الوباء والجائحة ذاكرة بشرية لحظية؟ وما أن تتخطاها البشرية حتى تمحوها وتمارس عليها النسيان. وما أن تحدث جائحة جديدة حتى تستعيد الذاكرة البعيدة والمهملة، وهذا يحتاج إلى مقاربات نفسية عميقة عن ذاكرة الألم الفورية. هذا رغم انشغال كتاب مرحلة الحداثة وما بعدها بخطاب المرض وإشكالياته الكبرى الفلسفية والفكرية من النقاد البنيويين مثل ميشيل فوكو، الفيلسوف والمفكر الفرنسي واشتغاله على خطاب «الجنون» في العصر الكلاسيكي من منظور بنيوي. 
وتأسفت د. الكعبي قائلة: نحن لا نتوقع حتى الآن اشتغالاً فلسفياً وفكرياً عميقاً خاصاً بالأوبئة والجوائح الكبرى، لا تنظيراً نقدياً ولا حتى فلسفياً. المفكر الفرنسي بول ريكور في كتابه «الذاكرة، التاريخ، النسيان» وفي مؤلفاته المختلفة، تحدث عن الأوبئة. وعرجت في حديثها على عدد من الإصدارات العالمية، مشيرة إلى ربط الأمراض بتاريخ الإمبريالية في العالم، والأخطاء التي تمت في المؤسسات الطبية التي نشأت في الغرب، وما هي إلا علامة قوة على السيطرة، وتعكس العناصر المكونة للاستعمار. 
أما عربياً فقد كشفت د. الكعبي أن هناك تساؤلاً كبيراً حول عدم تناول أدب الأوبئة، رغم ظهور الرواية العربية منذ أكثر من مئة عام، لافتة إلى أن الشاعرة نازك الملائكة أرخت «للكوليرا» بقصيدتها التي دشنت الشعر العربي الحديث، وهناك روايات ظهرت في التسعينيات أو في الألفية الثالثة تعرضت لبعض الأوبئة، ومنها «إيبولا» لأمير تاج السر، وبعض الروايات القائمة على التنبؤ عند الروائي المصري أحمد خالد توفيق، وواسيني الأعرج «حكاية العربي الأخير»، وهذه الأعمال تندرج في أدب النهايات أو هي عبور على الأوبئة، ولكن لا نستطيع أن نحكم على هذه الأعمال، لأننا إذا أردنا أن نكتب عن أي جائحة لابد أن نتخطى الزمن اللحظي والذاكرة اللحظية، وأن نستوعب اللحظة ثم نعيد استعادتها.