أبوظبي (الاتحاد)
كشف فريق من الباحثين من جامعة نيويورك أبوظبي، ومتحف بنسلفانيا بجامعة بنسلفانيا، وجامعة ولاية ميشيغان، عن تفاصيل جديدة حول عصور ما قبل التاريخ في دولتي الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عُمان، وذلك في موقع "بات" الأثري. وتقع واحة "بات" ضمن سلسلة جبال الحجر في سلطنة عمان، حيث بدأ فريق "مشروع بات الأثري" بإجراء أبحاث ميدانية فيه منذ عام 2007.
وكشفت الأمطار الغزيرة هذا الشتاء عن أنماط جديدة من الحياة القديمة في الموقع في سلطنة عمان. واكتشف الباحثون بالتعاون مع وزارة التراث والسياحة في سلطنة عمان منطقة استيطان جديدة في منطقة بعيدة عن وسط الموقع. وعلى الرغم من بعدها عن أي واحات، بنيت المنازل بشكل منتظم حول مصدر للمياه فوق سطح الأرض، وهي المرة الأولى التي يتم فيها ملاحظة هذا النمط من الاستيطان، وهو ما سيدفع الباحثين نحو التفكير من جديد حول كيفية مساهمة البيئة في تشكيل الحضارة القديمة في المنطقة.
وضم فريق إدارة المشروع البحثي زميل أبحاث العلوم الإنسانية بجامعة نيويورك أبوظبي إيلي دولارهايد، وأستاذاً زائراً في الجامعة الأميركية في بيروت وزميلاً استشارياً في متحف بنسلفانيا بجامعة بنسلفانيا جنيفر سويريدا، وزميل أبحاث في جامعة نيو إنجلاند وزميل أبحاث في جامعة ولاية ميشيغان شارلوت ماري كابل. كما شاركت ممثلة مكتب إدارة الموقع أسماء بنت راشد الجساسي إلى جانب طلاب وباحثين آخرين من جميع أنحاء العالم في هذا المشروع متعدد التخصصات.
وبمساعدة بترانكا نيدلشيفا من الجامعة البلغارية الجديدة، بدأ فريق "مشروع بات الأثري" في دراسة جديدة للأدوات الحجرية الموجودة بالموقع، باعتبارها أقدم القطع الأثرية في المنطقة. وتضم القطع الأثرية التي يزيد عمرها عن 8000 عام أدوات مثل الكاشطات والسكاكين والمناجل. وتم العثور على قطع أخرى في الموقع هذا العام، مثل الفخار والخرز العقيق، ما يشير إلى الروابط بين الإمارات وعمان في عصر ما قبل التاريخ والمواقع القديمة المجاورة لهما في شبه الجزيرة العربية وخارجها. وأوضحت الدراسة أنه حتى في عصور ما قبل التاريخ، كان جنوب شرق شبه الجزيرة العربية جزءًا من شبكات تجارية واسعة امتدت إلى الشرق الأوسط وجنوب آسيا.
كما جرى العمل على مسح للنباتات التي تنمو حول موقع "بات" لإضافة المزيد من الأدلة حول تغير المناخ في المنطقة، بهدف تشكيل صورة عن كيف بدت المناظر الطبيعية في ذلك الوقت.
وبهذه المناسبة قال دولارهايد: "أظهر بحثنا أنه حتى 5000 عام مضت، كان سكان جنوب شرق شبه الجزيرة العربية القديمة يستخدمون ويتحكمون ببيئتهم بطرق إبداعية. هناك العديد من الدروس حول الاستدامة التي يمكننا تعلمها من الماضي".
ومن جانبها قالت كابل: "تُظهر لنا المواقع الأثرية، مثل موقع "بات"، أن جنوب شرق شبه الجزيرة العربية كان منذ فترة طويلة مركزاً حيوياً لشبكات التجارة الإقليمية والعالمية. واليوم، توفر هذه المواقع وسيلة لربط المجتمعات السابقة والحالية في المنطقة".
وتجدر الإشارة إلى أن الحفريات في الموقع تسعى للكشف عن ملامح فترة أم النار، وهي فترة خلال العصر البرونزي التي عرفت سلطنة عمان ودولة الإمارات المعاصرة باسم مجان. وقد ساهم البحث الأخير الذي أجراه فريق "مشروع بات الأثري" في تعزيز فهمنا حول نمط حياة الأسلاف من حيث اختيارهم مواقع السكن وبيئتهم المحلية واستخدامهم للموارد الطبيعية.
وجدير بالذكر أنه قد تم تمويل البحث من قبل وزارة التراث والسياحة في سلطنة عمان ومعهد جامعة نيويورك أبوظبي، بالشراكة مع متحف بنسلفانيا بجامعة بنسلفانيا، ومركز دراسة أصول الإنسان في جامعة نيويورك في نيويورك.