أبوظبي (الاتحاد)
فقدت الأوساط الثقافية والعربية اليوم، الثلاثاء (21 يوليو 202) الكاتب والباحث الإماراتي الدكتور حسين عبيد غانم غباش، الأستاذ بجامعة القديس يوسف في بيروت والدبلوماسي الإماراتي الذي سبق أن شغل مندوب دولة الإمارات العربية المتحدة الدائم لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم «اليونسكو».
أثرى الدكتور حسين غباش المكتبة العربية بالعديد من المؤلفات الرصينة وذات الثقل المعرفي والاستقصاء التحليلي القائم على البحث والتنقيب في الجذور الثقافية والدينية التي كان لها صدى مؤثر، وحضور كبير في المجتمعات الإسلامية والعربية.
ويُعدّ الدكتور حسين غباش من المفكرين المحليين والخليجيين القلائل الذين بذلوا جهودا مقدّرة في أعمالهم، وقدموا قراءات مُتبصّرة تنطلق من الماضي وتحاور الراهن، وتنطلق إلى المستقبل بحثا عن سبل ومنافذ لتلافي المشكلات السياسية والاقتصادية والثقافية المحيطة بالمجتمعات العربية والإسلامية، وذلك من خلال الإضاءة على التجارب التي مرّت بها شعوب المنطقة، واستخلاص العبر والدروس من الإخفاقات وكذلك من النجاحات التي خبرتها هذه الشعوب وتفاعلت معها، وأنتجت رصيدا معرفيا ووعيا متركما يمكن الرهان عليهما، وتطويرهما وتلافي أخطائهما مستقبلا.
تناول الدكتور حسين غباش في كتبه ونتاجاته البحثية الجوانب المتعلّقة بعلوم الاجتماع والسياسة والتاريخ الإسلامي، والاستنتاجات التي يمكن استخلاصها من الوقائع والحوادث المهمة التي شهدتها المنطقة العربية بأبعادها الثقافية المتنوعة، واتجه غباش بالبوصلة المعرفية التي يمتلكها نحو التاريخ العماني، متناولا هذا التاريخ بشكل مكثّف، ويعد كتاب "عمان: الديمقراطية الإسلامية تقاليد الإمامة والتاريخ السياسي الحديث 1500-1970"، من أبرز أعماله الفكرية.
ويستعرض كتاب "عمان الديمقراطية الإسلامية" نظام الإمامة الإسلامي في عمان وهو نظام تجسد في تجربة حكم امتدت لأكثر من ألف عام وشكلت نموذجا أصيلا وناجحا، ويقدم الكتاب مادة فكرية وعلمية لا غنى عنها للمهتمين بشؤون المنطقة.
ومن إصدارات الدكتور حسين غباش التي حظيت باهتمام لافت ومتابعات وافية، كتابه بعنوان: "فلسطين – حقوق الإنسان وحدود المنطق اليهودي"، ويقدّم فيه دراسة مهمة حول مسألة حقوق الإنسان الفلسطيني في إسرائيل، ويقف عند بعض الحقائق التاريخية وخاصة تلك التي تتعلق بالمرحلة المعاصرة، وذلك للكشف عن عدد من الأساطير والادعاءات التي دأبت الدعاية الصهيونية في ترويجها عن الإيديولوجية الصهيونية وبرامجها وذلك لأهميتها من موضوع انتهاكات حقوق الإنسان، وبالتالي تحاول هذه الدراسة متابعة مظاهر وحدود "المنطق" الصهيوني بكافة انعكاساته على مشكلة انتهاك حقوق الإنسان الفلسطيني والعربي.
وللدكتور غباش كتاب مهم آخر قرأ فيه واقع ومستقبل الهوية المحلية، من خلال البحث عن الانعكاسات المقلقة للتركيبة السكانية، وغيرها من المواضيع الحافلة برؤى وتصورات تحفر عميقا في الواقع الملموس وكيفية تجاوز العقبات الحالية وصولا لمستقبل أكثر إشراقا وقدرة على تجاوز تحديات المستقبل، وحمل الكتاب عنوان: "الإمارات والمستقبل وقضايا راهنة" تناول فيه وبشكل تحليلي المرحلة الدقيقة التي تمر بها الإمارات العربية والتحديات التي تواجهها، كمجتمع ودولة، وتلقي هذه الدراسة الضوء على إشكالية الهجرة الآسيوية، والإرهاصات السلبية لخلل التركيبة السكانية.
وقدّم الدكتور غباش للمكتبة العربية والإسلامية كتابا لافتا بعنوان: "التصوّف: معراج السالكين إلى الله" وهو عبارة عن بحث تأملي ممتع في المدارات الروحية للإسلام، ويسعي الكتاب لسبر غور المعنى الإسلامي؛ الرسالي، النصي، والعبادي، ، مشيرا إلى أن للإسلام كما الأديان السماوية الأخرى له جناحان يحلق بهما في فضاء الوجود، الجناح العبادي، الطقوسي، وهو ما يعرف بظاهر الدين، والجناح الروحي، أي إسلام الحقيقة والاتصال الواعي الذوقي بالله، والجوهر غالبا ما يكون متساميا، محجوبا، عن التعاطي التبسيطي والابتذال، لذلك يتتبع هذا البحث المسار الإيماني المعبر عن جوهر الدين للإحاطة بمعاني الإسلام الباطنية المتعالية، وعلى ضوء ذلك جاء هذا الكتاب متناولا أربعة فصول تضمنت موضوعات: (الزهد، الحب الإلهي، مراتب النفس، الحلاج، ورابعة العدوية).
وللدكتور غباش كتاب بعنوان: "محمد: ضوء وسلام للبشرية" وهو يدخل ضمن اهتمامات الباحث الراحل في الجانب الديني الملهم والبعيد عن التصورات البشرية اللاحقة للرسالة الإلهية، والتي تضمنت جوانب من العنف والاستغلال والتعدّي على حرية الآخرين، والتي يظل جوهر الإسلام وجوهر الشخصية المحمدية بعيدة عنها كل البعد، انطلاقا من الآية القرآنية: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" التي تتصدر غلاف الكتاب، مشيرا في مؤلفه هذا إلى أن كتابة سيرة النبي، صلى الله عليه وسلم، ليست مجرد تسجيل تاريخي عادي كما يحدث في السير الأخرى لباقي البشر، وإنما هي فعل إيماني تعبّدي لله عز وجل، ويقول عن ذلك: «إن كتابة السيرة ليست كأي كتابة، بل هي كناية عن فعل إيماني محض، والتأمل في حياة الرسول الأكرم، هو تأمل في الإسلام الروحي المحمدي، الذي جسده (صلى الله عليه وسلم) في حياته قولاً وفعلاً، بحيث أصبحت حياته وأقواله هي الأنوار المشِعة للقرآن المكتوب، ومن شأن معايشة السيرة بكل تفاصيلها، والعودة إلى مصادر النبع الصافي للإسلام، أن تُثمِر إيمان المسلم وتُزكيه".