ودّعت الأوساط الأدبية في الإمارات الأحد الماضي الشاعر والروائي ثاني عبدالله ثاني السويدي، الذي وافته المنية في القاهرة عن عمرٍ يناهز 54 عاماً، واستطاع السويدي أن يلفت إلى إبداعه المبكّر في الشعر والرواية منذ تسعينيات القرن الماضي، وذلك لمقدرته العالية على تداخل هذين الجنسين في روايته الشهيرة «الديزل» التي جاءت بعد أربع سنوات من خروجه على أنماط تقليدية في الشعر من خلال مجموعته اللافتة «ليجفّ ريق البحر».

لم يكن السويدي، عضو اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، مجرّد اسمٍ لروائي أو شاعر يمرّ أو يمضي هكذا، فقد عدّه أدباء وشعراء من الطفرات الإبداعيّة بسبب أعماله التي كانت تنبئ عن أديب كبير خرج من رأس الخيمة مسقط رأسه، فراوغ البحر وتماوج معه، وخلق علاقةً مع رمله ومائه وناسه، بأسلوبه المدهش الذي جعل «الديزل» فضاءً رائقاً للتحليق في النصّ.. «الديزل» هذا العنوان الذي سيبقى في ذاكرة أصدقائه والمتأثرين به من جيل التسعينيات، وممن تعلّقوا بروحه العذبة التي ظلّت تحوم في أماكن غير مألوفه، في ظلّ شيوع النمط من الكتابة والتعبير والمعالجة بالرواية أو الشعر.
وإذا كانت قصيدة النثر التي ظلّت تُطلُّ خجولةً من شقوق الإبداع لتأخذ دورها، فإنها وجدت في ثاني السويدي وعدد من أبناد جيله ضالتها المنشودة وبغيتها المطلوبة بعد طول مراوغة وكثير محاولة، حيث فتح لها نافذة واضحة في إبداعه، واستفاد مما ظلّت تتميز به من عافية لافتة ومقدرة كبيرة ومزاج عالٍ، وهو ما تجلّى في وجدان وعقل ورؤى السويدي الذي لم تمنعه دراسته الاقتصاد من أن يتبع نداء شعره وروايته، فيصدر أيضاً «الأشياء تمرّ»، المجموعة التي تعانقت مع حكايات البحر والصيادين والأبعاد الإنسانية للأسطورة، بعد أن حظيت «الديزل» بترجمات عديدة، وشهدت نبوغاً في مرحلة التسعينيات كسر بها أغلال السائد، لتظلّ عصيّةً على التجنيس الأدبي.. الرواية التي ألقاها صاحبها في بركة ساكنة لم تتحرّك وظلّت آسنة، بل وملّت من كلّ هذا الانتظار الطويل.
لكلّ ذلك ليس غريباً أن تودّعه اليوم دموع أصدقائه وعرفان من ساروا في طريقه وعلى إبداعه في الإمارات والخليج، ومن فرحوا به من النقاد والأدباء العرب الذين وجدوا فيه عبقريةً أدبيةً، فكانت «الديزل» و«ليجف ريق البحر» تحظيان بدراساتٍ عربية وإعجاب بالشاعر الذي لم يكن ليمرّ المرور العادي على التراث والقصص الشعبيّة والإيقاعات والرزيف، بل كان يصوغ من هذه العجينة الأصيلة أجمل الأدب والأصوات والحوارات،.. لكنّها الحياة، دائماً ما تأخذ منّا المبدعين وتخطفهم من بيننا وهم ما يزالون في عنفوانهم وبواكيرهم وعزّ عطائهم في عالم الكتابة والإبداع.

خسارة فادحة للأدب
يعتبر الشاعر أحمد العسم رحيل الشاعر ثاني السويدي فاجعةً وخسارة فادحة للأدب والثقافة في الإمارات والعالم العربي، باعتباره شخصيةً لا تعوض، فقد عاش محباً لوطنه وللشعر والكتابة، ولذلك فقد أبدع، هذا فضلاً عن أياديه البيضاء على بعض شعراء «التسعينيات»، الذين ساعدهم وساندهم حتى أصبحوا أسماءً مهمّةً في الساحة الشعرية الإماراتية والخليجية والعربية، فمهما تحدثنا عنه فلن نفيه حقه، فهو صاحب أسلوب في الشعر أثّر في أجيال من الشعراء، ولذلك فرحيله شكّل صدمةً كبيرةً لكل الشعراء والمثقفين.
ويعرب الشاعر سالم أبو جمهور عن حزنه لرحيل مبدع ظلّ مشاركاً للجميع في الهمّ والموهبة، وكان مثالاً في العمل والخلق والكتابة، وشريكاً ومثابراً ومدفوعاً بموهبة نقية. وقال إنّ فقد الشاعر ثاني السويدي هو خسارة ليست عادية لنا كشعراء وأسرة أدبية وثقافية، داعياً بالرحمة لهذا المبدع الذي يعتبر تجربة حقيقية ومفردة مهمّة في عالم الثقافة الحديثة في الإمارات، والذي ستبقى تجربته الشعرية محلّ تقدير واحترام في الشعر الحديث، ذاكراً رواية «الديزل»، لأحد رواد الحراك الأدبي في الإمارات وممن أخلصوا بوعي وإبداع لثقافتها.
وقال الناقد الدكتور صالح هويدي إنّ خبر رحيل الشاعر ثاني السويدي جاء صاعقاً، بل وماحياً المسافة بين اليقين والشك، ومثبتاً لحقيقة واحدة وهي انتهاء رحلة حياة إنسان، فحين يكون الراحل شاعراً وكاتباً، فإنّ معنى الموت يتضاعف، لأنّ وفاة ثاني السويدي تعتبر خسارة كبيرة للمشهد الثقافي الإماراتي، فهو مبدع رغم قلة أعماله الإبداعية، وظلّ متميزاً على المستوى الإبداعي بخروجه عن المألوف في عالم الشعر والرواية، ما جعله يترك بصمةً في المشهد الثقافي، ليُكتب عنه الكثير من المقالات والدراسات.
واعتبر الدكتور محمد حمدان بن جرش، الأمين العام لاتحاد كتاب وأدباء الإمارات، أنّ خبر رحيل الكاتب والشاعر ثاني السويدي مؤلم وحزين، ويعتصرنا الألم لرحيل مبدع له حضوره واسمه من بين من أبدعوا في الساحة الثقافية الإماراتية، مثلما كان مهتماً بتفاصيل المجتمع الإماراتي كمبدع، ويعتبر قامة أدبية مميزة في الإمارات، ولا يمكن أن نفيه حقه مهما تحدثنا عن مناقبه.
وأكّدت الشاعرة الهنوف محمد ما للراحل من دور مهم ومؤثر على المستوى المحلي في الإمارات، وكذلك على المستوى العربي، باعتباره من أهم شعراء قصيدة النثر في الإمارات، وله تجربة متميزة، إذ كان شخصاً مختلفاً كشاعر وكاتب تمرّد على نمط الكتابة، فكتاباته لها جمالية خاصة تختلف عن كتابات أيّ شخص، وهو ما مكّنه من أن يضع لنفسه بصمةً في الساحة الثقافية الإماراتية، كما أنه لم يكن ليتوانى عن مساعدة الشباب من الشعراء، فضلاً عن علاقاته المميزة والأخوية بالكتاب والشعراء والمثقفين.

عادل خزام: بصمته واضحة في تحولات الحداثة
عبّر الشاعر عادل خزام عن حزنه الكبير لرحيل صديقه الذي كان جزءاً من روحه، معتبراً رحيل ثاني السويدي من أكبر خسارات الأدب والثقافة في الإمارات، خاصةً حين يفجعنا الموت بفقد شاعر وأديب ترك بصمة واضحة وحقيقية في تحولات الحداثة في الأدب الإماراتي الحديث.
واستذكر أنّ ثاني السويدي كان بدأ بإلقاء قصائده منذ أن كان طالباً في جامعة الإمارات عام 1984م، حين تعرّف إليه كصوت مختلف، له نصوصه المبتكرة والجميلة، فكان روحاً غامرة بالمحبة وعامرة بحب الاكتشاف والدهشة، إذ ظلّ طوال عمره يسعى إلى الجديد والمختلف، وكان من أوائل الشعراء في كتابة القصيدة الجديدة التي تتناغم مع أطروحة التجديد وكسر نمطية القصيدة التقليدية، حيث جاء كتابه الأول «ليجف ريق البحر» مغايراً للأسلوب والطرح، ومتناولاً موضوعات جديدة. وقال إنّ الراحل كان من أوائل الشعراء الذين استشعروا قدوم زمن الرواية، ولذلك ذهب إلى تقديم نفسه مبدعاً في هذا الفضاء الجديد، فقدم روايته المعروفة والمشهورة «الديزل» التي طبعت 6 مرات في دور نشر مختلفة، وترجمها أحد أهم المترجمين الأميركيين، ونالت استحساناً نقدياً كبيراً.. فعلى روحه السلام.