تحقيق - هزاع أبوالريش
في ظل الظروف الراهنة، والتحديات التي تشهدها المنطقة في مواجهة فيروس كورونا المستجد، وتأثيره على العديد من الأنشطة، بما في ذلك الحراك الثقافي الذي أصبح اليوم شبه مقيد، يبدو السؤال عن حضور الثقافة مشروعاً، خاصة وقد نقلت الجهات المعنية بالثقافة نشاطها إلى العالم الافتراضي، راسمةً خريطة طريق تسير عليها نحو إشراقة ثقافية ترنو إلى التميّز والرقي في الطرح وإثراء الساحة.
هل تقلص الحضور الثقافي؟ هل حققت وسائل التواصل الافتراضي للثقافة ما طمحت إليه دوماً، من حيث الوصول إلى جمهور أكبر؟ هل لا يزال الحديث عن عزوف الجمهور عن النشاطات الثقافية قائماً؟ وهل -حقاً- ساهمت الأزمة في خلق مجموعة من الممارسات والأفكار الإبداعية المبتكرة التي يمكن أن تسجل كنقطة تحول، ونجاح يستلهم منه الآخرون؟
«الاتحاد» طرحت هذه الهواجس والأسئلة على عدد من المسؤولين في القطاع الثقافي، وعادت بهذه الإجابات:
يقول عبدالله ماجد آل علي، المدير التنفيذي لقطاع دار الكتب في دائرة السياحة والثقافة – أبوظبي: «أثبتت الثقافة أنها قادرة على اختراق جدار العزل الذي فرضه الوباء، كما أنها عملت على ربط الناس بعضهم ببعض، رغم التباعد الجسدي وتقييد السفر والحركة. ولا أعتقد أن الوباء قلص الحراك الثقافي، بل إنه ساهم في تطوير أدوات ووسائط متقدمة للترابط الاجتماعي والوصول إلى محبي الثقافة والفنون، كما أننا وصلنا إلى جمهور جديد، من خلال تفعيل التكنولوجيا لتكون وسيطاً مهماً بين الجميع».
ويرى آل علي أن الأزمة «أظهرت أيضاً مرونة المؤسسات الثقافية في التأقلم مع المتغيرات والمستجدات، والحرص على دعم المجتمع من خلال تطوير برامج ذات مغزى وبثها عبر الإنترنت، في تواصل مباشر مع الجمهور».
وينطلق آل علي من تجربة دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي، التي واصلت تقديم فعالياتها وأنشطتها الثقافية من خلال منصاتها الرقمية ومنصات التواصل الاجتماعي، ليؤكد أن تجربة الدائرة الافتراضية تخطت الحدود الجغرافية والعزل المنزلي، مؤكداً أن الجائحة لم تستطع أن تقلص الحراك الثقافي أو تقيده، بل حفزتنا إلى تقديم مجموعة من المبادرات الغنية كمّاً ونوعاً، حيث استفدنا من خلالها من التكنولوجيا الحديثة في مرحلة تحول معرفي، فتحت أمامنا آفاقاً جديدة، وفرصاً استثنائية في العمل الثقافي.
على الرغم من أن أزمة كورونا أثرت على جميع مفاصل الحياة الإنسانية، فإن الثقافة، بحسب فاطمة مسعود المنصوري، مدير مركز زايد للدراسات والبحوث، تظل هي النبراس الذي يضيء الطريق في وقت الأزمات، باعتبارها -أي الثقافة- قادرة على إحداث التغيير الإيجابي والتكيف مع جميع الظروف.
وتوضح المنصوري: صحيح أن هناك العديد من التحديات التي واجهت اقتصاد الثقافة مثل إلغاء العديد من المعارض، أو تأجيل انعقادها للسنوات القادمة، أو إغلاق المتاحف، إلا أن الثقافة كمفهوم: لم تتأثر، بل على العكس، استطاعت خلال هذه الظروف أن تنتج مضامين إبداعية جديدة؛ فأصبحنا نسمع بمصطلح «حفلات الشرفات»، «تجليات في العزلة»، «أدب العزلة»، «خليك في المرسم.. خليك مبدع»، وغيرها من المبادرات الثقافية التي تحث على الإبداع والكتابة، والتعبير عن المشاعر، ومحاورة الأفكار، وتوظيف العزلة التي فرضتها كورونا في إنتاج مشاريع أدبية.
وتؤكد المنصوري أن نادي تراث الإمارات «نجح في نقل المحتوى التراثي والثقافي إلى منصات رقمية؛ إيماناً من النادي بأهمية تقديم المحتوى التراثي والثقافي، والتأقلم مع جميع المستجدات».
وتؤكد الدكتورة فاطمة المعمري، رئيس فرع اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات في رأس الخيمة، أن الأزمة أثرت على الحراك الثقافي من جانبين، الأول: هي المساحة التي حظي بها المثقف للعمل على منتجه ولقراءاته وممارساته، فضلاً عن الحوارات والنقاشات الثقافية التي قلصت المسافة بين مثقفينا ومثقفي الدول الأخرى أيضاً، أما الجانب الثاني، فربما عرقلت بعض الإجراءات الاحترازية بعض الشيء من أعمال القطاع الثقافي، ولكن المبدع الحقيقي من يجد المخرج الخلاق من هذه الأزمة.
وتلفت المعمري إلى أن هذه الجائحة «جعلت المنصات الثقافية تختلف في الطرح والتواجد والحضور، وكذلك المثقفون وجدوا طرقاً وبدائل أخرى يعكسون من خلالها ذواتهم المبدعة».
وتؤكد: «في الأزمات تظهر العقول الناضجة والإبداعات الحقيقية التي تستطيع المواكبة والاستمرار في التجديد».
نورة الكعبي: القطاع الثقافي تحلّى بالمرونة في مجابهة التحديات
أكدت معالي نورة بنت محمد الكعبي، وزيرة الثقافة وتنمية المعرفة لـ«الاتحاد»، أن أزمة كوفيد-19 كشفت عن مرونة القطاع الثقافي في الدولة وقدرته على مواكبة المتغيرات ومجابهة التحديات المختلفة، حيث استطاعت المتاحف والصالات الفنية، خلال أسابيع قليلة، التحول إلى الفضاء الرقمي، فيما فتحت المكتبات كنوزها المعرفية لتقدم ملايين الكتب الإلكترونية لعشاق المعرفة والقراءة، وانتقلت الملتقيات الثقافية والجلسات الفنية إلى العالم الافتراضي لتثري المشهد الثقافي في الإمارات، ويستمر الحراك الإبداعي دون توقف.
وقالت معاليها: عقدنا اجتماعاً طارئاً مشتركاً لمجلسي الفنون والصناعات الثقافية والإبداعية، لمناقشة الوضع الراهن، والاتفاق على الخطوات التي سوف يتخذها القطاع الثقافي خلال الأزمة. كما أطلقنا مسحاً وطنياً لمعرفة التحديات التي تواجه الاقتصاد الإبداعي، حيث عملنا على توظيف المعطيات والبيانات التي جمعناها لتقديم التسهيلات والحلول المناسبة، عبر حزمة من السياسات والمبادرات التي تسهم في تخفيف الضغوط على الأفراد في القطاع الثقافي والشركات الإبداعية، لنتجاوز هذه المرحلة بسلام. مضيفة، أن البرنامج الوطني لدعم المبدعين كان خطوة متقدمة نحو دعم الفنانين والمبدعين ومساندتهم على استكمال مشاريعهم الثقافية واستدامة إبداعاتهم في إثراء مجتمع دولة الإمارات، ونعمل مع شركائنا على استكشاف وسائل أخرى لاستمرار دعمهم خلال المرحلة المقبلة.
واختتمت معاليها، بالقول إن المجمعات الإبداعية والفنية والتي تضم آلاف الشركات، قدمت أيضاً تدابير اقتصادية انعكست إيجاباً على القطاع الإبداعي الذي أثبت خلال السنوات الماضية أنه مساهم رئيس وأحد الروافد المهمة في الاقتصاد الوطني، يستدعي الوقوف بجانبه، ودعمه في ظل هذه الظروف الحرجة.