3-3
علي الزعابي ومعتز الشامي (أبوظبي)
يستعد العالم لدخول مراحل جديدة، يمكن وصفها بـ«المُرعبة» من التطور التكنولوجي، واستخدامات الذكاء الاصطناعي، وكذلك تترقب ملاعب العالم كل هذا التقدم الرهيب، والذي سيكون له تأثيره الكبير على كل عناصر الرياضة عموماً، وكرة القدم على وجه التحديد. وفي ختام حلقات البحث في ملف «الذكاء الاصطناعي» في مجال الرياضة، أجرت «الاتحاد» حواراً عبر تقنية الاتصال المرئي، مع أحد أبرز الباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في كرة القدم، وهو الدكتور رايان بيل الرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك لشركة «سينتنت سبورت» ومقرها لندن، المتخصص في أبحاث الذكاء الاصطناعي في مجال كرة القدم، والمحاضر في جامعة ساوثهامبتون، الذي سبق وأن تم اختياره ضمن «قائمة فوربز» لأفضل 30 شخصية حول العالم ساهمت في مجال التكنولوجيا والابتكار. وأكد رايان بيل، في تصريحاته لـ«الاتحاد»، أنه يتوقع أن تتسبب تقنيات «AI» أو الذكاء الاصطناعي في تغيير وجه الرياضة بشكل عام، وخاصة كرة القدم، خلال 15 إلى 20 عاماً، وقال: «أعتقد من منظور أساسي أن الذكاء الاصطناعي سيغير الطريقة التي يستهلك بها الجمهور كرة القدم، وأعتقد أن هذا قد يكون بعد 15 إلى 20 أو حتى 30 عاماً على أقصى تقدير، لكن في النهاية، سيحتاج الجمهور إلى استهلاك البيانات بطريقة أكثر تخصيصاً لهم، مع تراجع الاعتماد على البث التقليدي مثل قنوات سكاي وغيرها، وسيتجه الجمهور نحو نموذج يشبه «نتفليكس لكرة القدم»، حيث ستكون هناك تقنيات أكثر تأثيراً في كيفية مشاهدة الجماهير للمباريات، سواء من خلال النقاط الملخصة أو المباريات المباشرة، مع القدرة على دمج تحليلات البيانات الخاصة بهم ومشاهدتها بطريقة شخصية جداً، وبالنسبة لي، سيكون هذا التحول الأكبر الذي سيحدثه الذكاء الاصطناعي في الرياضة، ولكن الأمر لا يقتصر على الذكاء الاصطناعي فقط، بل يشمل التكنولوجيا بشكل عام وكيف ستحول الرياضة من صناعة البث الفضائي إلى صناعة تكنولوجيا في السنوات الـ20 إلى الـ30 المقبلة».

وتابع: «خلفيتي الأكاديمية تتمحور حول أبحاث الذكاء الاصطناعي في مجال كرة القدم، وقد أتيحت لي فرص إجراء دراسة الدكتوراه، حيث تمكنت من استكشاف تطبيقات متعددة للذكاء الاصطناعي، مثل نظرية الألعاب، والأنظمة متعددة الأطراف، ومعالجة اللغة الطبيعية لتحليل بيانات الرياضة، وخلال الدكتوراه، قمنا بالبحث في مجموعة متنوعة من المجالات، مثل العمل الجماعي وكيفية تحسين التكتيكات في أرض الملعب، ما أدى إلى إنتاج مجموعة كبيرة من الأبحاث التي طُرحت لاحقاً للجمهور العام، وانطلاقاً من هذا العمل، بدأنا التعاون مع فرق رياضية في أنحاء أوروبا في مجالات الانتقالات واستراتيجيات التعاقدات، وكان تميزنا في هذا المجال يتمثل في محاكاة دمج اللاعب مع الفريق الجديد لتقديم ضمانات استباقية للمخاطر المستقبلية، وهذا الأمر بات مؤثراً في سوق الانتقالات حالياً بالنسبة للأندية الكبرى».
وأكمل: «انتقلنا من تحليلات البيانات التقليدية التي تنظر إلى الوراء، مثل تحليل الإحصاءات بأسلوب (موني بال)، حيث إن الأسلوب هو نموذج يعتمد على التحليل الإحصائي لاتخاذ قرارات استراتيجية في الرياضة، مثل اختيار اللاعبين بناءً على بيانات دقيقة، بدلاً من الانطباعات الشخصية أو التجربة، ويهدف إلى تحسين الأداء وتقليل التكاليف، إلى تحليلات قائمة على المحاكاة باستخدام الذكاء الاصطناعي، حيث يصبح التحدي ليس فقط في العثور على لاعب جيد، بل العثور على لاعب يناسب فريقك بشكل مثالي، وبفضل ذلك، قمنا ببناء مجموعة كبيرة من نماذج الذكاء الاصطناعي التي امتدت إلى مجالات مختلفة، وحالياً، نركز على تطوير منتج يهدف إلى حماية الرياضيين على وسائل التواصل الاجتماعي، وحالياً كما هو الحال مع العديد من الرياضيين والمشاهير، يتعرض لاعبو كرة القدم لكم هائل من الإساءة على منصات التواصل الاجتماعي، لذلك، طورنا تقنية ذكاء اصطناعي تتيح حمايتهم بشكل فعال عبر الإنترنت، ومراقبة صحتهم النفسية، والتعرف إلى اللاعبين الذين قد يكونون عرضة لخطر مشاكل الصحة النفسية، بل وحتى اتخاذ إجراءات قانونية نيابة عنهم، وكل ذلك باستخدام الذكاء الاصطناعي وفي الوقت الفعلي، لقد عملنا على مشاريع مدهشة في مجال الذكاء الاصطناعي والرياضة على مدار السنوات القليلة الماضية».
الشرق الأوسط
وفيما يتعلق بعمله في منطقتنا الخليجية أو الشرق الأوسط، قال رايان: «منطقة الشرق الأوسط ستكون ضمن المناطق التي سنعمل فيها بجدية أكبر، وأعتقد أنه مع نمو الدوريات هناك، فإن العمل مع هذه الدوريات لحماية لاعبيها، بالإضافة إلى كيفية الاستفادة القصوى من الذكاء الاصطناعي لجماهيرهم، هو جزء من خطتنا كعمل تجاري، ولدينا بالفعل مستثمرون من الإمارات ومن منطقة الشرق الأوسط، لذا هناك اهتمام من المنطقة بالدخول في مجال الذكاء الاصطناعي في الرياضة، وأعتقد أن هذا المجال مثير لنا، لذا بالتأكيد سيكون ضمن اهتماماتنا في عام 2025».
وعن رأيه في تأثير الذكاء الاصطناعي على كرة القدم، قال: «أعتقد أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون له تأثير إيجابي هائل على كرة القدم والرياضة بشكل عام، وبالنسبة لي أرى أنه يمكنه أن يسهم في جعل الرياضة أكثر ديمقراطية من حيث تمكين الجماهير من التفاعل معها بطريقة جديدة، باستخدام الذكاء الاصطناعي، ويمكننا إنشاء محتوى مخصص حول كرة القدم في جميع أنحاء العالم، بحيث يستطيع الجميع تجربة كرة القدم في الدوري الإنجليزي الممتاز وليس هذا فقط، بل يمكن أيضاً تخصيص التجربة بناء على الطريقة التي يفضل بها كل شخص متابعة المباريات، على سبيل المثال، هناك أشخاص يرغبون في مشاهدة جميع مباريات الدوري الإنجليزي وأهدافه في وقت واحد وبشكل متزامن، بينما يفضل آخرون التركيز على تفاصيل معينة في كل مرة، الذكاء الاصطناعي يمكنه التعلم من تفضيلات الناس وتمكينهم من الحصول على تجارب فريدة تناسب اهتماماتهم حول العالم، وهذا جانب واضح من التأثير الإيجابي، كما يمكننا استخدام الذكاء الاصطناعي للتعامل مع التأثيرات السلبية للتكنولوجيا على الرياضة، والاستجابة لتلك التحديات بطريقة إيجابية، والهدف هو استخدام الذكاء الاصطناعي لحماية الرياضيين ونجوم الرياضة من التأثيرات السلبية، سواء كانت عبر الإنترنت أو في أي مكان آخر».
وعن تقليل المتعة في كرة القدم بفعل تقدم وتطور الذكاء الاصطناعي، قال: «أعتقد أن أحد الأسباب التي تجعل كرة القدم واحدة من أكبر الألعاب في العالم هو تلك العشوائية التي تميزها في بعض جوانبها، فمشاهدة فريق من دوري الدرجة الثانية يهزم فريقاً من الدوري الإنجليزي الممتاز في كأس الاتحاد الإنجليزي دائماً ما تكون واحدة من أبرز لحظات الموسم لأي شخص، وأعتقد أن تلك العشوائية جزء أساسي من كرة القدم».
ميزة تنافسية
وتابع: «لا أعتقد أن الذكاء الاصطناعي يؤثر على تلك العشوائية أو يغيرها، فما يفعله الذكاء الاصطناعي هو تسليط الضوء على الفرق التي تستفيد من التكنولوجيا والبيانات، مما يمنحها ميزة تنافسية ضد الآخرين، على سبيل المثال، إذا نظرنا إلى فرق مثل برايتون وبرينتفورد في السنوات الأخيرة، نجد أنها تمكنت من تحقيق أداء يفوق التوقعات تاريخياً، وأصبحت مستقرة الآن في الدوري الإنجليزي الممتاز، وتولد إيرادات من التكنولوجيا والاستخدام الفعال للبيانات عبر استغلال تطبيقات الذكاء الاصطناعي في كرة القدم مثل تحليل الأداء وغيرها، وهذا يوضح لبقية الفرق أنه من الضروري تحسين استخدام التكنولوجيا والبيانات إذا أرادت مواكبة ما تفعله الفرق التي تتصدر المشهد، حيث إن الرياضة، مثل أي مجال آخر، أصبحت نوعاً من «سباق التسلح» في هذا الجانب، حيث تُظهر الفرق الناجحة للآخرين ما يجب استخدامه من تكنولوجيا وذكاء اصطناعي للوصول إلى نفس المستوى».
وعن رأيه في توجه العالم نحو تبني الذكاء الاصطناعي في كرة القدم، قال رايان: «بدأت دراستي للدكتوراه في 2018 وبدأت العمل في مجال الذكاء الاصطناعي في كرة القدم في نفس العام، وقد لاحظت تغيراً كبيراً في مدى قبول هذا المجال، عندما بدأنا في ذلك الوقت، كان هناك الكثير من الاعتراضات من الكشافين، والكثير من الناس لم يفهموا ماهية الذكاء الاصطناعي. لكن ما فعله «شات جي بي تي» في 2022 هو أنه جعل الذكاء الاصطناعي في صميم اهتمام الجميع، وإذا كنت تستخدم التكنولوجيا أو تمتلك هاتف آيفون أو تستخدم الإنترنت، فأنت الآن تعرف ما هو شات جي بي تي والذكاء الاصطناعي، وهذا جعل من السهل بدء العمل مع أشخاص أكثر انفتاحاً لتبني الذكاء الاصطناعي في كرة القدم».
مطارد «المتنمرين»
كشف الدكتور رايان بيل، عن قيامه هو وفريق عمل شركة «سينتنت سبورت» بإطلاق أحدث النماذج التي يتم العمل عليها حالياً، وتتعلق بالإساءة عبر وسائل التواصل الاجتماعي للاعبي كرة القدم في الدوري الإنجليزي، وتابع: «لدينا الآن القدرة على جمع البيانات من منصات التواصل مثل إنستجرام، فيسبوك، تويتر، وتيك توك، في الوقت الفعلي لتحليل ما يُقال عن اللاعبين والفرق، وعند تشغيل هذه النماذج خلال المباريات، نتمكن من تحديد متى تحدث بعض الأفعال أو الأهداف، وما إذا كان اللاعبون يتعرضون للإساءة بعدها، وبالتالي اتخاذ إجراءات لحمايتهم، وهدفنا هو بناء نماذج تساعد أصحاب الحقوق والفرق على مواجهة هذه الإساءة، فإذا كان هناك مشجع يتصرف بشكل عنصري على وسائل التواصل، يجب أن يعامل بنفس الطريقة التي يعامل بها في الملعب، ويمكننا توفير الأدوات اللازمة للعثور على هذا المشجع وحظره من الملعب، وفي نفس الوقت، يمكننا مساعدة اللاعبين الذين يحققون أداءً جيداً على وسائل التواصل الاجتماعي للاستفادة من ذلك بشكل أكبر وتحقيق قيمة إيجابية للنادي، لذا هناك جانب للوقاية من الإساءة وحماية اللاعبين، بالإضافة إلى استغلال وسائل التواصل الاجتماعي بشكل إيجابي لدعم اللاعبين الذين يحققون نجاحاً في هذا المجال».

هل تُصبح «التقنية» المدرب الأفضل في الكرة الحديثة؟
أصبحت كرة القدم الحديثة تعتمد على الاستراتيجية القائمة على البيانات، وأحدث الذكاء الاصطناعي ثورة هادئة فيها، كونها تدرس كل حركة صغيرة من كل لاعب وإحصائياته، وتصمم تقنيات مبتكرة وغير متوقعة في نفس الوقت، وهذا يجعل التدريب أكثر دقة والمباريات أكثر إثارة، ويغير طريقة لعب الفرق.
وتعتمد أنظمة كرة القدم على الذكاء الاصطناعي، إذ تتعقب كل مقاييس سرعة اللاعب، والتسارع، ومسار الكرة الدقيق، ويمكن لهذه الأنظمة التقاط ما يصل إلى 25 نقطة بيانات في الثانية، وتُستخدم هذه البيانات لبناء ملفات تعريف ثابتة للاعبين وتتبع الأداء داخل اللعبة لتسليط الضوء على ما يجيده اللاعب وما قد يحتاج إلى مساعدة فيه، وتساعد هذه الأنظمة الفرق أيضاً على ضبط روتين اللاعبين من خلال الأداء في الوقت الفعلي.
وتجمع أجهزة الاستشعار والكاميرات القابلة للارتداء البيانات على أرض الملعب ثم تغذيها خوارزميات الذكاء الاصطناعي، وتساعد هذه الخوارزميات المدربين على رؤية وضع اللاعبين وإرهاقهم ودوافعهم، وباستخدام هذه المعلومات، يمكن للفرق تعديل استراتيجياتها أثناء المباراة أو طوال الموسم لمنح نفسها أفضلية في المنافسة.
ولا تقتصر التحليلات التنبئية لكرة القدم على التخمين فحسب، بل إنها تحسب الاحتمالات أيضاً، وغالباً ما تساعد الأدوات في التنبؤ بتكتيكات المنافس قبل حدوثها، وساعدت هذه العملية المدربين على اكتساب رؤى جديدة حول كيفية مكافحة استراتيجية الفريق الآخر، وتشمل الاستخدامات المهمة للتحليلات التنبئية التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، جوانب عدة، مثل «تحليل المنافس، الذي يدرس سلوك المنافس ونقاط ضعفه من المباريات السابقة لتطوير نمط اللعب، وكفاء اللاعب، الذي يتنبأ بمدى قدرة اللاعبين على اللعب في مراكز مختلفة أو ضد منافسين معينين، ثم توقيت الاستبدال، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي أن يخبرنا متى يجب أن نستبدل بشكل مثالي للحفاظ على أداء الفريق في أفضل حالاته».
ويقول ألدو كومي، الرئيس التنفيذي لشركة «سوكرمنت» الرائدة عالمياً في مجال تحليلات كرة القدم: «يمكن أن يصبح الذكاء الاصطناعي مصدراً لطرق جديدة للتفكير في اللعبة في السنوات القليلة المقبلة، إذا قدمت للذكاء الاصطناعي ما يكفي من البيانات، فستتاح لك إمكانية الحصول على مساعد افتراضي، والذي سيكون لديه فهم أفضل لما يحدث على أرض الملعب في الدقائق الخمس أو العشر القادمة».
وأضاف، في تصريحات إعلامية: «عبر استخدام هذا التحليل التنبئي، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يقدم لك ما يسمى بالتحليلات الوصفية، وقد يكون ذلك عن طريق تبديل لاعبين أو تغيير هيكل الفريق، وسيتم تصفية الأشياء التي يقترحها الذكاء الاصطناعي من قبل المدرب المساعد ثم تمرير المعلومات إلى المدير، وبالتالي يعتبر هنا الذكاء الصناعي بمثابة مدرب مساعد ومفيد للغاية».
وعن تلك النقطة تحديداً، وما إذا كان الذكاء الاصطناعي سيحل محل المدربين في كرة القدم، يقول زين الدين زيدان، مدرب ريال مدريد السابق: «لا أعتقد أن الذكاء الاصطناعي يتفوق على الذكاء البشري، وأرى بالتأكيد مزيجاً من العقل البشري والذكاء الاصطناعي في المستقبل في رياضتنا».

الذكاء الاصطناعي يُغير معايير نجاح «الطب الرياضي»
يعد الحفاظ على صحة اللاعبين، ومنع الإصابات من أهم اهتمامات الرياضيين والمدربين والطاقم الطبي على حد سواء، ومع ظهور الذكاء الاصطناعي، شهد الطب الرياضي تحولاً كبيراً، ما أحدث ثورة في كيفية تشخيص الإصابات والوقاية منها وإدارتها، وفي كرة القدم، أصبح استخدام الذكاء الاصطناعي أداة أساسية للمدربين، والأطباء المعالجين أيضاً.
فعلى سبيل المثال، يستخدم نادي مانشستر سيتي الإنجليزي لكرة القدم، نظام «Slants» لتحليل مركز كل لاعب وسرعته والمسافة التي قطعها والجهد البدني في الوقت الفعلي، وتُستخدم هذه المعلومات ليس فقط لتصميم الاستراتيجيات التكتيكية ولكن أيضاً لمنع الإصابات عبر مراقبة عبء العمل والتعب العضلي لدى اللاعبين، واليوم، يتم استخدام نظام «Catapult» على نطاق واسع في الفرق الأوروبية وأميركا الجنوبية، إذ يجمع بيانات التسارع والسرعة ومعدل ضربات القلب لمساعدة المدربين على تعديل التدريب بما يتناسب مع احتياجات اللاعبين الفردية، وهي كلها تقنيات للذكاء الاصطناعي في كرة القدم.
واكتشف باحثو العلوم الرياضية أن استخدام التعلم الآلي لتحليل البيانات حول مجهود الرياضيين يسمح لهم بالتنبؤ بشكل أفضل بما إذا كان الرياضي قد يتعرض للإصابة ومتى سيحدث ذلك، ويتعرض لاعبو كرة القدم لإصابات تتراوح ما بين 2.5 و9.4 إصابة لكل 1000 ساعة من المجهود، ونحو ثلث هذه الإصابات ناجمة عن الإفراط في التدريب والمباريات، وبالتالي يمكن التنبؤ بها، واستكشفت الأبحاث طرق التنبؤ بهذه الإصابات من خلال تركيب حزمة استشعار في ملابس اللاعبين.
وسجل الباحثون بيانات مثل المسافة الإجمالية التي ركضها الرياضيون، والجري بسرعة تزيد عن 5.5 متر في الثانية، وعدد التسارعات والتباطؤات عالية الكثافة، وذلك على مدار 900 جلسة تدريبية في غضون 23 أسبوعاً، وبالاعتماد على فئة من نماذج التعلم الآلي، تمكن الباحثون من استخدام هذه البيانات للتنبؤ بنسبة 80% من الإصابات المحتملة، ونصحت تحليلات الذكاء الاصطناعي فرق الدوري الإنجليزي لكرة القدم بأداء 10 ضربات رأسية عالية القوة فقط في أسبوع التدريب، لتقليل أي مخاطر طويلة الأجل على صحة اللاعب، كما نجحت التقنيات في تحديد 85% من إصابات أوتار الركبة بنسبة 86% من الدقة عبر خوارزميات التعلم الآلي الجديدة الخاصة بهم. كما يعمل الذكاء الاصطناعي حالياً أيضاً وفق الباحثين على إرشادات «إعادة التأهيل» بعد الإصابة، حيث يمكن المساعدة في توجيه الرياضيين خلال عملية إعادة التأهيل عبر تصميم برامج إعادة تأهيل مخصصة مصممة خصيصاً لنوع الإصابة وشدتها وتقدم التعافي، عبر تحليل البيانات من أجهزة الاستشعار القابلة للارتداء والتصوير الطبي وتمارين إعادة التأهيل، ويمكن لخوارزميات الذكاء الاصطناعي تتبع تقدم الرياضيين وتحديد مناطق الضعف أو الخلل وضبط بروتوكولات إعادة التأهيل لتحسين التعافي وتقليل خطر الإصابة مرة أخرى. كما تحلل خوارزميات الذكاء الاصطناعي العادات الغذائية للرياضيين، والمدخول الغذائي، والملامح الأيضية لتصميم خطط تغذية مخصصة تهدف إلى تحسين الأداء والتعافي والوقاية من الإصابات، عبر مراعاة عوامل مثل إنفاق الطاقة، ومتطلبات المغذيات الكبرى، ونقص المغذيات الدقيقة، يساعد الذكاء الاصطناعي الرياضيين على الحفاظ على مستويات التغذية المثلى لدعم تدريبهم، ووظائفهم المناعية، وعمليات التئام الإصابات.
تدخل واضح في تحديد قيمة انتقالات اللاعبين
على غرار سوق الأوراق المالية، فإن سوق الانتقالات في كرة القدم عبارة عن مشهد متقلب باستمرار، إذ ترتفع وتنخفض قيم وأسعار اللاعبين بناءً على الأداء، ومجموعة واسعة من العوامل الأخرى، ولم تتمكن لوائح اللعب المالي النظيف من مواكبة مستويات النشاط والاستثمار المرتفعة في تلك الانتقالات.
وتجسد رسوم انتقال البرازيلي نيمار البالغة 220 مليون يورو عند انتقاله إلى باريس سان جيرمان في عام 2017 نموذجاً على «هذا الجنون» في عدم تحديد أسعار واقعية في الانتقالات.
ويكمن جزء من المشكلة في الوسائل غير المترابطة التي تستخدمها الأندية لتقييم اللاعبين، وتسهم عوامل عديدة في أسعار الانتقالات غير المتوقعة، وليس من المستغرب أن نرى رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» جياني إنفانتينو، يتحدث عن أساليب تعديل سوق الانتقالات إلى حد ما عن طريق خوارزميات ثابتة، وقد تعمل هذه الخوارزميات الجديدة كجهة تنظيمية لسوق الانتقالات الدولية من خلال نموذج تسعير آلي يعمل على تسوية المنافسة، والحد من العشوائية الدائمة في تقييم اللاعبين، وتعكس هذه الخطوات تعهد مجلس الاتحاد الدولي لكرة القدم في عام 2018 بتقديم حزمة إصلاحية لنظام الانتقالات وفق توجهات فيفا، حيث تسعى غرفة المقاصة التابعة للاتحاد الدولي لكرة القدم في باريس إلى تطوير مثل هذا النظام بحيث يصبح السلطة المركزية التي تتم من خلالها معالجة جميع عمليات الانتقال، وإذا نجحت هذه الفكرة، فقد نشهد سوق انتقالات مستقرة مبنية على استراتيجية تسعير منظمة تستند إلى سنوات من البيانات، ولكن الحاجة إلى بيانات موثوقة لدعم هذه الخوارزميات تشكل عنصراً أساسياً لنجاحها، فالإدخال الدقيق للبيانات يشكل العنصر الأهم لأي خوارزمية تسعى إلى توليد قيم انتقالية غير متحيزة. وفتح الاتحاد الدولي لكرة القدم، نقاشاً بشأن تحديد رسوم انتقالات كرة القدم من خلال خوارزمية بدلاً من الطريقة التاريخية التي كان يتبعها ناديان للتفاوض على سعر القيمة السوقية للاعبين المتعاقدين، واستغل إنفانتينو، خطابه في مؤتمره القانوني السنوي، في الاتحاد الدولي لكرة القدم في طوكيو، فبراير 2024، لإعادة طرح فكرة تم تداولها لسنوات حول إصلاحات في سوق الانتقالات العالمية التي تبلغ قيمتها الآن أكثر من 10 مليارات دولار سنوياً، وقال إنفانتينو: «الآن يمكننا مناقشة إمكانية استخدام خوارزمية لتقدير القيمة العادلة لرسوم الانتقالات من أجل زيادة الشفافية في نظام الانتقالات ومساعدة أصحاب المصلحة في كرة القدم».
أرقام وإحصائيات
* 13.6 مليار دولار 
بلغت قيمة سوق الذكاء الاصطناعي في الرياضة حوالي 1.9 مليار دولار في عام 2022، ومن المتوقع أن تصل إلى 13.6 مليار دولار بحلول 2030 بمعدل نمو سنوي مركب قدره 28.1 %، نسبة كبيرة من هذا النمو تأتي من كرة القدم التي تمثل حوالي 40% من إجمالي السوق.
* 10 آلاف حركة
أظهرت التقارير أن استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لتحليل الأداء أدى إلى تحسين دقة الخطط التكتيكية بنسبة 30 إلى 50% في الأندية الكبرى، حيث يتم تحليل ما يقارب 10 آلاف حركة لكل لاعب بالمباراة الواحدة.
* %30 تقليل الإصابات
يقوم الذكاء الاصطناعي حالياً بتتبع بيانات اللاعبين وتقليل الإصابات، حيث يقلل احتمال حدوث الإصابة بنسبة 25 إلى 30%، فأندية مثل ليفربول ومانشستر سيتي استخدمت هذه التقنية لتقليل أيام غياب اللاعبين المصابين بمعدل 15% في المواسم الأخيرة.
* 200 ألف لاعب
أنظمة الذكاء الاصطناعي مثل سي إس إى سبورتس تُقيم أداء أكثر من 200 ألف لاعب حول العالم باستخدام البيانات الكبيرة، ونسبة نجاح اللاعبين المكتشفين بواسطة الذكاء الاصطناعي في الانتقال لأندية كبرى زادت بنسبة 20%-25% مقارنة بالأساليب التقليدية.
* %99 لـ«الفار»
منذ إدخال تقنية الفار عام 2018، زادت دقة القرارات التحكيمية بنسبة 92% في بطولة كأس العالم 2022، كما ساهم الذكاء الاصطناعي في مراجعة 99% من القرارات الرئيسية بدقة عالية.
* %40 تفاعل
استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل بيانات الجماهير يزيد التفاعل على وسائل التواصل بنسبة تصل إلى 40%، وشركات مثل أي بي إم ومايكروسوفت تقدم حلولاً لتحليل شعور الجماهير أثناء المباريات لتخصيص محتوى ترفيهي في الوقت الفعلي.
* 100 مليون دولار
أنفق الدوري الإنجليزي الممتاز «البريميرليج» ما يُقارب 100 مليون دولار سنوياً على التقنيات المتقدمة بما فيها الذكاء الاصطناعي، وأندية مثل باريس سان جيرمان وريال مدريد أنفقت ما بين 10 و15 مليون دولار سنوياً على تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي لتحليل الأداء واكتشاف المواهب.
* %25 نسبة التحسن
أظهرت تقنيات التدريب المدعومة بالذكاء الاصطناعي تحسن دقة التسديد بنسبة من 20% إلى 25% من خلال برامج المحاكاة وتحليل الفيديو، وتستخدم أندية مثل بايرن ميونيخ أجهزة محاكاة للواقع الافتراضي مدعومة بالذكاء الاصطناعي لتحسين ردود أفعال اللاعبين.
* 400 بحث
العدد التقريبي للأبحاث التي تم نشرها عن الذكاء الاصطناعي في كرة القدم يصل إلى 400 بحث، اعتماداً على المصادر المختلفة والمنهجيات المتبعة في البحث، ومعظم هذه الدراسات تركز على تحسين الأداء وتحليل البيانات، مثل التنبؤ بنتائج المباريات، وتكتيك الفرق، والتنبؤ بالإصابات.