عمرو عبيد (القاهرة)
سواء فاز منتخب إنجلترا بلقب «يورو 2024» أو خسر في النهائي أمام إسبانيا، فإن وسائل الإعلام المحلية ترى الآن أن المدرب جاريث ساوثجيت «بطل حقيقي»، قاد ثورة تغيير كبيرة مع «الأسود الثلاثة» في السنوات الأخيرة، فبعدما ظلت إنجلترا بعيدة عن الأضواء في البطولات الكبرى، منذ فوزها بلقبها الوحيد في «مونديال 1966»، عاد «الأسود» بقوة خلال السنوات القليلة الماضية، وصحيح أنه لم ينجح في التتويج حتى الآن بأي لقب، إلا أن بلوغ نهائي «اليورو» مرتين متتاليتين، بجانب اللعب في نصف نهائي «مونديال 2018» واحتلال المركز الثالث في دوري الأمم الأوروبية 2019، تُعد إنجازات لم تعرفها الكرة الإنجليزية منذ القرن الماضي، وبالتأكيد يعود الفضل في ذلك إلى ساوثجيت.
المدرب الإنجليزي تعرّض إلى كثير من الانتقادات والهجوم رغم محاولاته القريبة من النجاح في كل مرة، وصبّت الصحف المحلية غضبها عليه خلال البطولة الحالية بسبب المستوى والأداء «الممل» الذي يقدمه «الأسود» حسب وصفها، خاصة في دوري المجموعات، لكن ساوثجيت في كل مرة يتمكن من تصحيح الأوضاع ويقلب «الفشل» إلى نجاح، حيث نجح في تحويل «عوامل الإخفاق» التي وضعته تحت مقصلة الهجوم الإعلامي إلى «أدوات نجاح» مكنته من التأهل إلى النهائي الثاني على التوالي في البطولة الأوروبية الكُبرى.
وتُعد «ركلات الترجيح» أو الجزاء، النقطة الأولى التي سبّبت «الكوابيس» للمدرب الإنجليزي، فهي بمثابة «عقدة تاريخية» له ولمنتخب بلده، حرمته من الفوز بلقب «يورو 2020» أمام إيطاليا، بعد إهدار لاعبيه 3 ركلات متتالية في «مشهد درامي» لا يُنسى، وبعدها أهدر هاري كين ركلة جزاء أمام فرنسا ليُغادر رُبع نهائي كأس العالم 2022، رغم تسجيله أخرى قبل نصف ساعة فقط آنذاك، وقبلها تعددت الإقصاءات بسبب ركلات الترجيح، بداية من «يورو 1996» بقدم ساوثجيت نفسه، مروراً بإهدار بيكهام ركلة الترجيح أمام البرتغال في «يورو 2004»، وبعدها إضاعة ركلتين متتاليتين أمام إيطاليا في «يورو 2012»، وتكرر «المشهد نفسه» 3 مرات أخرى في كؤوس العالم 1990 و1998 و2006.
وإذا كان ساوثجيت قد عانى نفس «الألم» في 2020 و2022 على التوالي، فإن التعاقد مع العالم النرويجي جير جورديت غيّر المشهد تماماً بالنسبة للمنتخب الإنجليزي، إذ إن جورديت متخصص نفسياً في التعامل مع هذه الأمور، وهو ما دعاه لتغيير التحام اللاعبين بالأذرع خلال تنفيذ أحد زملائهم ركلة ترجيح، وكذلك ضرورة استقبال اللاعب الذي يُهدر ركلته بسرعة عبر أقرب صديق له في المجموعة.
وهي أمور أوضحها جورديت وانعكست بالفعل على أداء اللاعبين وثقتهم خلال تنفيذ تلك الركلات، لتفوز إنجلترا بمباراة رُبع النهائي أمام سويسرا عبر تسجيل الـ5 ركلات، بينها ركلة «مميزة» لبوكايو ساكا ليتخطى تماماً معاناته من تأثير إهداره الركلة الأخيرة أمام «الآزوري» قبل 3 سنوات، ناهيك عن استخدام الحارس بيكفورد للأسلوب العلمي الإحصائي في التصدي لركلات المنافسين، ثم جاء الدور على هاري كين الذي أحرز ركلة جزاء «مؤثرة» خلال مباراة هولندا في نصف النهائي، لينسى معها إهداره ركلة مماثلة أمام «الديوك» في المونديال الأخير!
أما «النقطة الثانية» التي تعرض بسببها ساوثجيت إلى «هجوم ناري»، سواء في البطولة الحالية أو خلال نهائي «يورو 2020»، فتمثلت في «البدلاء»، سواء فيما يتعلق بتوقيت المشاركة أو اختيار الأسماء، وكان جاريث قد قوبل بسخرية لاذعة ونقد قاسٍ بعد إشراكه ماركوس راشفورد وجادون سانشو قبل لحظات من بدء ركلات الترجيح أمام إيطاليا في «اليورو» السابق، لقناعته بقدرتهما على التسجيل منها «بالتخصص»، لكن «الثنائي» أهدر الركلتين وتسبب ذلك في خسارة اللقب، ثم عادت الصحف والجماهير الإنجليزية لتهاجم ساوثجيت بسبب تأخره في إجراء التغييرات، وعدم اتخاذ قرارات صحيحة في هذا الصدد خاصة في بداية البطولة بالدور الأول.
لكن ساوثجيت قلب الأمور لمصلحته تماماً، بل إن الصحف والجماهير باتت تتغنى بحُسن اختياره الأوراق البديلة وتوقيت مشاركتها المتميز، في مشهد عكسي «عجيب»، ولم لا، فقد دفع جاريث بلاعبه البديل، إيفان طوني، قبيل دقائق من اللجوء إلى الوقت الإضافي أمام سلوفاكيا في دور الـ16، ليصنع هدف الفوز إلى زميله هاري كين في الشوط الأول الإضافي، ثم عاد ليُكرر «المشهد الشهير» بالزج بـ«طوني» للمرة الثانية في الوقت الإضافي أمام سويسرا في رُبع النهائي، ليُسجل إيفان ركلة ترجيح بـ«مهارة»، ثم جاء الدور «الكبير» على «الثنائي» كول بالمر وأولى واتكينز، في آخر 10 دقائق من مباراة نصف النهائي أمام هولندا، ليصنع الأول ويُسجل الثاني هدف الفوز «القاتل» في الدقيقة 90!